وفرت صادرات النفط العراقي، دعماً لخزينة الدولة بأكثر من 75 مليار دولار أميركي عام 2021، مُستفيدة من أسعار الخام التي تجاوزت متوسط 70 دولارًا للبرميل، وقتها عبّر وكيل وزارة النفط لشؤون الاستخراج كريم حطاب، عن سعادته بتحقيق إيرادات ضخمة من صادرات الخام في 2021، وقال: "نجحنا في تحقيق أكثر من 75 مليار دولار، ونطمح إلى زيادة الإيرادات المالية لهذا العام".
وفعلا يبدو أن ارتفاع أسعار النفط يواصل إنعاش خزينة العراق، ما انعكس إيجابا على المؤشرات الاقتصادية في الفترة الأخيرة، ودفع الحكومة نحو توقع تحقيق عوائد نقدية بمقدار 20 مليار دولار، وبالتالي استبعاد اللجوء إلى الاقتراض لسدّ عجز الموازنة.
إنعاش الخزينة
ففي شهر فبراير/شباط الماضي، بلغ مجموع إيرادات العراق من الصادرات النفطية خلال ما يقارب 9 مليارات دولار، بحسب ما أعلنت شركة تسويق النفط العراقية "سومو" .
وأوضحت الشركة أن كمية الصادرات من النفط الخام خلال الشهر المذكور قد وصلت إلى 92 مليوناً و790 الف و173 برميل بإيرادات بلغت 8 مليارات و809 ملايين و 162 الف دولار و بمعدل بيع سعر البرميل الواحد بأكثر من 92.083 دولاراً .
وأشارت إلى أن الكميات المصدرة تم تحميلها من قبل 34 شركة عالمية مختلفة الجنسيات من موانئ العراق وميناء جيهان التركي.
وارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية وزاد الطلب عليه بعد الأزمة الأخيرة التي يشهدها العالم من جراء العملية العسكرية التي أطلقتها روسيا في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي.
ويتوقع أن ينعش ارتفاع أسعار النفط خزينة العراق لاسيما وأن ميزانيته واقتصاده يعتمدان على نحو 90 بالمئة من إيرادات بيع النفط.
إزدهار إقتصادي
وتحدث الباحث في الشأن السياسي والإقتصادي، نبيل جبار العلي، في حديث لـ"جسور"، عن التقديرات حول أسعار النفط خلال هذه السنة، والتي ستكون ضمن حدود ١٢٠ دولارا للبرميل الواحد، بينما الطاقة التصديرية للعراق ستتجاوز ٣.٣٥ مليون برميل، ما يعني أن العراق أمام ايرادات تقدّر بأكثر من ١٤٦ مليار دولار لهذا العام.
وأكد العلي أنه من المتوقع أن تكون الايرادات النفطية الأعلى في تاريخ العراق منذ تأسيسه في عشرينيات القرن الماضي، وتعادل ضعف ايراداته مقارنة بالعام 2021 ، وأكثر من ثلاثة أضعاف ايراداته المتحققة في العام 2020.
وفي الإطار، بيّن العلي أنّ الاقتصاد العراقي الريعي المعتمد بدرجة تزيد على 95 في المئة على الإيرادات النفطية، يتأثر بشكل كبير بتغير أسعار النفط عالمياً، وانتعاش الأسعار يؤثر في إيراداته إيجاباً، فمن المتوقع أن يصل مجمل الايرادات النفطية لما يقارب 115 مليار دولار، في ظل التفاؤل بالأسعار النفطية التي قد تجتاز حاجز 100 دولار للبرميل الواحد خلال فصول 2022، وقد يحقق العراق بذلك أعلى الإيرادات السنوية بتاريخه الاقتصادي.
أما انعكاس ارتفاع الايرادات على المؤشرات الاقتصادية، فيقول العلي، إنه على الأغلب، سوف تستثمر الأموال في رفد ميزانية العراق 2022 من غير عجز، وتغذي الميزانية الاستثمارية بالأموال لتحريك المشاريع، ودفع الديون المحلية، ومن الممكن أن تجرى نقاشات سياسية موسعة لإعادة النظر بالسياسة النقدية لما شهدته من عملية تغيير سعر صرف الدولار الذي ساهم بتضخم الأسعار محلياً.
وتشير التوقعات إلى أن متوسط سعر برميل النفط في موازنة العراق الاتحادية لسنة 2022 لا يقلّ عن 100 دولار مقارنة بإيرادات موازنة عام 2021 النفطية التي قُدر متوسط إيراداتها النفطية السنوية بأقلّ من 70 دولاراً للبرميل، ما يحقق فائضاً سنوياً كبيراً ضمن موازنة 2022، يمكن من خلاله تقديم مشاريع استثمارية كبيرة للنهوض بالواقع الاقتصادي العراقي.
غياب التخطيط
من جهته، أكد الكاتب والباحث السياسي، علي البيدر، أنّ ارتفاع أسعار النفط ستنعش الميزانية المقبلة، لا سيما وأن ذلك سيساهم بسد العجز بشكل جيد.
وفي اتصال مع جسور، بيّن البيدر أنّ الإنتعاش سيساعد العراق على تسديد ديونه الخارجية وإجراء تعاملات معينة، لكن الفساد المستشري في مفاصل الدولة وسوء الإدارة وغياب التخطيط والمحسوبية والطائفية، كلها قضايا ستدفع البلاد إلى مزيد من الأزمات، والمواطن العراقي يعيش حاليا أسوء مرحلة في تاريخ البلاد منذ تأسيس الدولة العراقية.
وأضاف البيدر أن العديد من المحافظات تشهد على ارتفاع ملحوظ بمعدلات الفقر والبطالة تجاوزت بمعظمها الـ50 في المئة، وبشكل عام أكثر من 30 في المئة يعيشون تحت مستوى خط الفقر، لافتا إلى وجود مفارقة أو تناقض حول الموضوع، وتساءل: "في بلد مثل العراق يصدّر يوميا قرابة 4 ملايين برميل نفط ويمتلك موازنة بمليارات الدولارات، لا يستطيع معالجة أزمات مجتمعية "؟.
وأكد البيدر، أن العراق يحتاج إلى إرادة وإدارة لتجاوز الوضح المعيشي الحالي، لكن مهما وصل برميل سعر النفط فإن الفساد وغياب التخطيط سيعيقان حتما أي تقدّم على مستوى البلاد.
وكانت آخر احصاءات وزارة التخطيط العراقية قد اشارت إلى نسبة البطالة 13.8%، إذ بلغت في العاصمة بغداد 9.3%"، في حين سجّلت محافظة الأنبار أعلى نسبة بطالة فيها بواقع 32.4%، تليها محافظة دهوك بنسبة 26.4%.
وأكد البيدر أن العراق يمتلك موارد وثروات اقتصادية وبشرية كبيرة تحتاج لدراسة شاملة وتخطيط استراتيجي لاستثمارها وإحداث تقدم كبير بالنظام الاقتصادي الوطني.