رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على الانتخابات التشريعية المبكّرة، لا تزال متاهة العملية السياسية في العراق تراوح مكانها، في ظل تصارع أطراف العملية السياسية، وغياب كامل لأي من سيناريوهات الحل.
من الواضح أن خِيارات الحل في العراق تعقّدت بشكل غير مسبوق، ولاسيما بعد انسحاب الصدر واستبدال نوابه بالبرلمان، واحتدام الصراع بين هادي العامري ونوري المالكي الذي رشح نفسه رسميا لرئاسة الوزراء بدعم إيراني وتصويت بالإجماع من قبل دولة القانون.
وذكرت مصادر مطلعة لـ "جسور"، ان "إيران لا تريد مرشح لرئاسة الحكومة العراقية لا يحظى باتفاق الاطراف الشيعية بالكامل ويتسبب بانقسام الكتل الشيعية، بعد الانقسام الذي حصل عقب فوز التيار الصدري ورفضه تشكيل حكومة تجمع كل القوى الشيعية".
حظوظ المالكي
ومع تأكيد رئيس الكتلة النيابية الأكبر في الإطار التنسيقي نوري المالكي ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، واستكمال بقية الاستحقاقات الدستورية المتعلقة بمنصبَي رئاسة الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وكشفه أنّ لجانًا تتولى إجراء المفاوضات مع القوى الفاعلة في العملية السياسية، يتحدث الكاتب والمحلل السياسي، علي البيدر، في تصريح لـ"جسور"، لافتا إلى أن الأمور تتجه نحو إعادة تولي المالكي رئاسة الوزراء، وهذا الموضوع سيقابله تظاهرات عارمة واحتجاجات صدرية.
وتساءل البيدر قائلا: "كيف سيتعامل المالكي مع هذا المشهد المحتمل؟"، مشيرًا إلى أنّ ردة فعله ستكون الخطوة المهمة لحسم هذا الجدل.
في المقابل، بيّن البيدر، أنّ الشارع العراقي، يترقّب بحذر شديد ما ستؤول إليه الأحداث، وهنالك حال من القلق والتخوّف من حدوث أي أزمة جديدة ربما تقلب المعادلة إلى صراع خطير.
رأي آخر عبّر عنه الباحث في الشأن السياسي، الدكتور قاسم بلشان التميمي، قائلا في اتصال مع "جسور": لا اعتقد أن حظوظ السيد المالكي لولاية ثالثة كبيرة، وانا أستبعد ترشيحه لرئاسة الوزراء لأسباب عدة".
وأضاف التميمي، ان الإطار التنسيقي لا يريد أن يستفز الصدر كون ترشيح المالكي يعني المواجهة الحقيقية والفعلية مع الصدر وهذا سبب من الأسباب الوجيهة لعدم ترشيح المالكي، أضف إلى ذلك أن العديد من اعضاء الإطار التنسيقي لم يقبلوا بترشيح المالكي، وهناك خلافات كبيرة حول هذا الموضوع.
وأكد أنّ مرجعية النجف أبلغت بدورها الإطار التنسيقي بضرورة عدم ترشيح المالكي الحكومة، فكل هذه الأسباب مجتمعة تؤكد أن الأخير بعيد كل البعد من تولي منصب رئاسة الوزراء بحسب التميمي.
لا مخرج!
ويرى عدد من المراقبين أن الحكومة المقبلة إن شكّلت ستواجه كما من الضغوطات والتحديات الكبيرة بالتالي لن تستطيع الحكومة المقبلة أن تنجز ما يمكن أن تضعه من برنامج حكومي، الذي يقع في باب المناورة ومحاولة لإشغال الرأي العام والتهدئة والتخدير السياسي للمواطنين.
وهنا يرجّح الباحث في الشأن السياسي، الدكتور قاسم بلشان التميمي، أن السيناريوهات الأصعب التي تنتظر العراق في حال عدم نجاح الكتل والأحزاب السياسية في تشكيل الحكومة أو حتى إذا نجحت في تشكيلها بمعزل عن رضى التيار الصدري على وجه التحديد هي خيارات صعبة تتمثل ربما بعودة التظاهرات والمعارضة الشعبية الواسعة وربما تشهد البلاد تدخلا أمميًا او أن الامور قد تخرج عن السيطرة وتؤدي إلى تغيير جذري في العملية السياسية.
وأشار التميمي إلى أن السيناريوهات أصبحت مفتوحة والثابت الأساسي فيها أن الفوضى السياسية والاقتصادية والأمنية هي التي ستشهدها الساحة العراقية في الأسابيع والأشهر المقبلة، ومنها انطلاق التظاهرات الشعبية والتي سيجد الصدر نفسه مجبرا على دخولها.
وهناك سيناريوهات سترسم للعراق، ولاسيما بعد تعقد مشهد الاتفاق النووي بعد محادثات الدوحة وهذا سيلقي بظلاله على تعقيد المشهد السياسي ولعبة الخنادق الدولية على الأراضي العراقية، التي تشهد صراعا واضحا وتدهورا في أوضاعه الاقتصادية، لذلك فالسيناريو الأبرز هو أننا انتقلنا من مرحلة الانغلاق إلى الانهيار.
وتظل غالبية الترجيحات لخبراء ومتابعي السياسة في العراق تتوقع عدم قدرة الحكومة المقبلة على الاستمرار في إدارة البلاد أكثر من ستة أشهر، ما يفتح الباب أمام حكومة تصريف الأعمال، التي يقودها مصطفى الكاظمي، للاستمرار بعد سلسلة النجاحات التي حققتها.
البرنامج الحكومي
وكان الإطار التنسيقي الشيعي كشف عن أعضاء لجنة كتابة البرنامج الحكومي، بحيث ذكر مصدر في الإطار التنسيقي، رفض ذكر اسمه، أن "جل اللجنة المكلفة من قبل المالكي، بصفته رئيس الكتلة الأكبر، من قيادات الصف الثاني في الأحزاب، والتيارات السياسية الشيعية المشاركة في الحكومة المقبلة، إلى جانب تخصصهم الأكاديمي والعلمي، مضافةً إليها خبراتهم العملية لضمان كتابة برنامج حكومي حقيقي يتناغم ومتطلبات الفرد العراقي".
والمعنيون بكتابة البرنامج الحكومي، كما أعلن، ثمانية أعضاء ينتسبون لثماني جهات سياسيّة تتألف منها الحكومة المقبلة، تمثل القوى الشيعية في الإطار التنسيقي الشيعي وهم: ائتلاف دولة القانون وتحالف الفتح وحركة العصائب وتيار الحكمة، إضافة إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وتحالف العزم السني، إلى جانب بعض القيادات في القوى الشيعية الأخرى وممثل عن المستقلين في البرلمان.
وأفادت التسريبات بأن البرنامج الحكومي يركز على تلبية متطلبات المرحلة التي يعيشها المجتمع العراقي المأزوم بالبطالة والفساد وتغييب القوى المعارضة، إذ يرى القائمون على كتابته ضرورة معالجة ملف البطالة من خلال إيجاد فرص عمل حقيقية تتمثل في استثمار حركة عمل الملاك الوظيفي في جميع المؤسسات ومنح الدرجات الشاغرة بسبب السن القانونية للتقاعد وتوسيع المشاريع الاستثمارية وتحديد ضوابط عمالتها من خلال التزامها تشغيل ما نسبته 90 في المئة من العراقيين قبالة (1-10) عمالة أجنبية، بالنسبة إلى الشركات الأجنبية، أما الشركات الاستثمارية المحلية، فستكون ملزمة بالبند أعلاه من دون هامش لأي عمالة أجنبية.
وهذا الملمح الرئيس لما ورد في خطة الحكومة الأولية، التي جاءت مرتبكة وغير مجدية، أمام التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع جراء الموازنة التشغيلية لعشرة ملايين موظف ومتقاعد يشكلون 60-70 في المئة من موازنة البلاد، على حد قول المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة الحالي مظهر محمد صالح.