أكثر من ثلاثة آلاف جثة مجهولة الهُوية متكدسة منذ عام 2019 بالمشارح في العاصمة السودانية الخرطوم، فُرض عليها أن تنام نوما هادئا عميقا ابديا لحين الوصول إلى قرار نهائي بتشريحها ومن ثم دفنها.
ولكثرة الجثث تم وضع بعضها في الأرض في منظر يدمي القلوب، فيما وضع قسم منها على "الكراسي"، كما رميت في مشرحة "بشائر" في الخرطوم أجساد كاملة ومقطعة وجثث عارية، في وقت شكت الأحياء المجاورة للمشارح من انتشار الحشرات وزيادة المشاكل البيئية، مطالبة الجهات المختصة بإيجاد حلول سريعة.
أزمة الجثث
أمام هذا المشهد، اعتبر الصحفي والمحلل الاسياسي السوداني خالد الفكي في حديث لـ"جسور" أن "قضية الجثث باتت محط جدل واسع لأن غالبية الشعب السوداني يرفض دفنها من دون إتمام الإجراءات القانونية المتعلقة بالحفاظ على هويتها لمعرفة سجلات هذه الجثث وبياناتها بغية تسهيل التحقيقات المتعلقة بأي قضية منذ عام 2019."
وسبق وأكدت الجماعات المؤيدة للديمقراطية وعائلات المتظاهرين المفقودين أن الإخفاق في إجراء عمليات تشريح محاولة لإخفاء الأدلة على مقتل مئات المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية على أيدي القوات المسلحة السودانية في أعقاب الانتفاضة الشعبية لعام 2019 التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير.
بدورها، كانت لجنة الأطباء اعتبرت أن دفن ثلاثة آلاف جثة مجهولة الهوية بمثابة محاولة لقبر أدلة القتل الممنهج عن طريق سلاح الدولة . وطالبت باتخاذ تدابير عدة لحفظ حقوق المتوفين مجهولي الهوية في العدالة، من بينها وجود شهادة الوفاة ومعلومات الشرطي الذي سلم أي جثة إلى المشرحة، إضافة إلى ترقيم الجثامين بأرقام متسلسلة وربطها بالبيانات والنتائج التي جرى التوصل إليها.
تفشي الامراض
وفي ظل تفاقم أزمة الجثث، أشار الفكي الى أن "تكدس الجثث سيؤدي الى
أزمات لا تحمد عقباها، أبرزها صحية وبالتحديد احتمال انتشار مرض الطاعون، إضافة الى ذلك هناك مخاوف من أن تعم الفوضى مناطق عدة في البلاد، خصوصا بعدما نظّم ناشطون سودانيون، الأحد الماضي، وقفة احتجاجية أمام مقر النيابة العامة، للمطالبة بوقف دفن آلاف الجثث المتعفنة بمشارح مستشفيات ولاية الخرطوم."
وفي السياق، حذر المجلس الاستشاري للطب العدلي من انتشار الطاعون في ولاية الخرطوم، لافتا الى أن تأجيل تشريح الجثث المتكدسة الذي كان من المفترض أن يبدأ سابقا، جاء للتشاور مع أسر المفقودين.
ودعا المجلس السياسيين إلى عدم تسييس القضية، مؤكدا أنه لا مانع من التعاون مع أي فريق دولي للبحث في هذا الملف.
من المسؤول؟
وبررت أسر المفقودين تمسكها بضرورة أن يتم التشريح بواسطة فريق طبي من الخارج، لعدم ثقتهم في التشريح من هيئة الطب العدلي، مشيرين إلى أنه في وقت سابق تم التلاعب في التقرير الطبي لبعض الشهداء .
وختم الفكي قائلا "المسؤولية تقع على الجهات الرسمية كافة في السودان التي تأخرت في استكمال الإجراءات القانونية التي تحفظ حقوق من قضوا منذ عام 2019، ناهيك عن أنها عطلت سابقا عمل فريق دولي سعى الى تفكيك شيفرة قضية الجثث."