على مدى السنوات الأخيرة، أصبح العراق من البلدان التي تنتشر فيها المخدرات بشكل واسع، وأصبح ممراً لها من إيران الى الدول العربية الأخرى، وفي جديد هذه القضية أثار مقتل القاضي المختص بقضايا المخدرات، أحمد فيصل الساعدي، في محافظة ميسان جنوبيّ العراق، جدلاً بشأن النفوذ المتزايد لتجار المخدرات في البلاد، والذي يُهدّد العاملين على محاربتها، في وقت توجه فيه انتقادات لضعف الإجراءات التي تتخذها الجهات المسؤولة للسيطرة عليها.
وفي حين أكدت السلطة القضائية وجود تقصير أمني "متعمّد" وراء الحادث، دعا نواب وناشطون إلى إعلان الحرب على تجار المخدرات لإنقاذ البلاد.
جرائم عابرة للحدود
وبين الحين والآخر تكشف السلطات الأمنية عن عمليات مطاردة واعتقال تجار مخدرات، بعضها يتسم بالاشتباك وتبادل النيران مع تلك العصابات، كما تصدر السلطات القضائية أحكاماً بحق مدانين بتلك التهمة تتباين ما بين الحبس الشديد والمؤبد والإعدام.
وفي هذا الإطار، رأى المتحدث باسم وزارة الداخلية، خالد المحنا، ان المخدرات في العراق ظاهرة بدأت بالاتساع والتنامي، ويقول في حديث لـ"جسور" إن "تجارة وتعاطي المخدرات هي جرائم عابرة للحدود، ومن الصعب السيطرة على قنوات وممرات تهريبها بشكل كامل".
ويلفت إلى أن القوات الأمنية استطاعت خلال المدة السابقة ضرب الكثير من تلك الشبكات واعتقال كبار التجار منهم.
وأقرت وزارة الداخلية العراقية، في وقت سابق، بانتشار تهريب وتعاطي المخدرات بشكل واسع، مؤكدة أن عام 2021 شهد اعتقال 11 تاجراً، وأعداداً من متعاطيها، في مناطق متفرقة. ولم تتخذ وزارة الداخلية بعد، أي إجراء جديد على إثر الحادث، إلا أن مسؤولاً فيها أكد أن "الوزارة لديها خطط بملاحقة تجار المخدرات والمروّجين لها، وأنها ستكثف الخطط، وستعمل على تحجيم تجارة المخدرات والقضاء عليها".
تمويل خليجي
من جهته، أشار المحلل الأمني العراقي، هيثم الخزعلي، إلى أنّ تجارة المخدرات في جنوب العراق مدعومة وممولة من دول خليجية، وهناك جهاز أمني في دولة خليجية يقوم بإعطاء المخدرات والأموال اللازمة لغرض ترويجها في جنوب البلاد.
وفي حديث لـ"جسور"، أفاد الخزعلي بأن هذه العصابات تغلغلت في جنوب العراق بشكل ملحوظ، والقاضي الذي اغتيل كان يعمل على قضايا تجارة المخدرات، كاشفا عن وجود تغافل من بعض المسؤولين في محافظة ميسان وبعض المحافظات الجنوبية بسبب قوة هذه العصابات وارتباط بعضها بجهات سياسية وبسبب نفوذها وقدرتها على الإجرام.
وفي السياق، رأى الخزعلي أنّ الموضوع يحتاج إلى تشكيل خلية خاصة لمكافحة هذه الآفة ولمتابعة هذه المجموعات، وأن تكون هذه الخلية مغطاة بأعلى سلطة سياسية كي تستطيع اعتقال من له ارتباط بهذه المجموعات حتى ولو كان من الشخصيات السياسية.
"مكافأة كبيرة"
وحمّل مجلس القضاء الأعلى الأجهزة الأمنية مسؤولية اغتيال القاضي، وأكد أنه "تم تكليف لجنة قضائية خاصة للتحقيق في حادث الاغتيال"، مبيناً أن "المعلومات الأولية تشير إلى تقصير متعمد في عدم اتخاذ الإجراءات الأمنية".
وأعلن مجلس القضاء الأعلى، عن مكافأة كبيرة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى كشف مرتكبي جريمة اغتيال القاضي أحمد فيصل خصاف الساعدي".
وقتل الساعدي، وهو قاض متخصص في قضايا المخدرات، السبت، برصاص مسلحين مجهولين في مدينة العمارة، جنوب شرقي العراق.
وقال ضابط في شرطة الطوارئ إن "مسلحين مجهولين فتحوا نيران أسلحتهم باتجاه القاضي المختص بقضايا المخدرات، قرب محكمة استئناف ميسان".
وأضاف أن المحكمة تقع "في حي الشبانة بالقرب من منزله وسط مدينة العمارة"، مشيرا إلى أن المسلحين "أردوه قتيلا على الفور، ولاذوا بالفرار إلى جهة مجهولة".
وقال مصدر آخر إن القاضي "أصيب بـ15 رصاصة بسلاح كلاشنيكوف"، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن اغتياله.
وتعهد رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، خلال حضوره مجلس العزاء "بملاحقة المجرمين"، كما "أبدى دعم المجلس الكامل لعائلته في تلبية جميع متطلبات الحياة".
وكان القانون العراقي قبل عام 2003 يعاقب بالإعدام شنقاً لمروجي المخدرات والمتعاملين بها، إلا أن العقوبة أُلغيَت لاحقاً، وفُرضت عقوبات تصل إلى السجن لمدة 20 عاماً.