وكأن زمن الاحتلال في لبنان يعود بلاعبين مختلفين ووجوه اخرى. فالدولة اللبنانية متروكة لقوى "الامر الواقع" والحكومة "معطلة" بفعل فاعل والسلاح "حاكم بأمره" وحقوق الانسان مستباحة والحقائق لا تستطيع مواجهة التضليل وحتى الادلة الدامغة "غير كافية".
لا تزال قضية احداث الطيونة تتفاعل في الاوساط السياسية اللبنانية، اذ مضى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، في اجراء استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع شخصيًا الى التحقيق للاستماع الى افادته في فرع التحقيق لدى مخابرات الجيش اللبناني.
"زمن الوصاية السورية ولى"
رغم تهليل جمهور "حزب الله" للقرار على اعتبار انه دليل دامغ على تورط القوات اللبنانية عن سابق اصرار وتصميم في الاحداث، اعتبر كثر ان قرار الاستدعاء استهداف سياسي واضح للقوات ورئيسها وهنا تكمن المفارقات، اذ يلتمس البعض "ازدواجية" في التعاطي مع الملف خصوصا لناحية موازاته مع ملف تفجير مرفأ بيروت.
وفي تعليق لـ "جسور"، اكد عضو تكتل الجمهورية القوية النائب فادي سعد، ان "البعض لا يزال يعيش في زمن الوصاية السورية وكأنهم غير مدركين ان الجيش السوري انسحب من لبنان وايام عدنان عضوم (وزير عدل ومدع عام سابق) وتركيب الملفات ولت الى غير رجعة"، وتابع "مخطىء من يظن ان القوات اللبنانية يمكن استهدافها بسهولة فنحن لن ندع ايام الظلم تعود".
واشار سعد الى ان حزب الله لا يزال "سكران" بفكرة مقاومته لاسرائيل اذ انه في "كل مرة يوجه سلاحه الى الداخل اللبناني يخسر وفي كل مرة يتجاهل رفض الرأي العام لانتهاكاته وتصرفاته الميليشياوية يخسر اكثر". واعتبر سعد ان لا قيام لدولة في لبنان في ظل سلاح غير شرعي فقد "آن الاوان لحزب الله لتسليم سلاحه للجيش اللبناني لنستطيع بناء دولة حقيقية فلا يجوز ان يبقى سلاحه سيفا مسلطا فوق رؤوس اللبنانين واستخدامه كدرعٍ واقٍ للفاسدين".
واضاف سعد بان لا مانع لجعجع بالمثول امام القضاء شرط ان يكون التحقيق "جدي" ويتم الاستماع الى السيد حسن نصرالله ايضًا الا ان الاستهداف السياسي والتعاطي مع القوات بـ "خفة" لن يمر و"طويلة ع رقبتن".
جنبلاط والحريري يعلقان
في سلسلة تعليقات حول قرار استدعاء جعجع للتحقيق، غرد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عبر حسابه على "تويتر": "غيابنا عن تداعيات حادث الطيونة كان متعمدًا لأننا نرفض الخوض في صراع عبثي والاصطفاف على خطوط الحرب الاهلية وانقساماتها الطائفية والعودة الى لغة القنص الأمني واقتناص الفرص السياسية". وأضاف الحريري "الاعلان عن تبليغ الدكتور سمير جعجع لصقًا للمثول امام مديرية المخابرات، يقع أيضًا في خانة العبثية ويستدعي البلاد الى المزيد من الانقسام وتوظيف ادارات الدولة في خدمة سياسات الانتقام فالمطلوب تبليغ المعنيين كافة، شفاهة او لصقا، بوجوب المثول امام مقتضيات المصلحة الوطنية وعدم التفريط بما تبقى من مقومات السلم الاهلي".
هذا وغرد بدوره رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر حسابه على "تويتر": "من اجل تحقيق شفاف وعادل، من اجل عدالة شاملة بعيدا عن الانتقائية ومن اجل اعطاء بعض من الامل للمواطن الذي لا دخل له في صراع المحاور المحلية، من الافضل توقيف جميع مطلقي النار في حادثة الطيونة من دون تمييز، ووقف هذا السجال السياسي العقيم والمدمر".
البيطار ومجلس القضاء الاعلى
في خضم كل هذا، حضر المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بتاريخ ٢٥/١٠/٢٠٢١ إلى اجتماع مجلس القضاء الاعلى بناء على دعوة الاخير، وسنداً لأحكام المادة الرابعة من قانون القضاء العدلي (المرسوم الاشتراعي الرقم 150/1983) التي تنص على ما يلي : "يسهر مجلس القضاء الاعلى على حسن سير القضاء وعلى كرامته واستقلاله وحسن سير العمل في المحاكم ويتخذ القرارات اللازمة بهذا الشأن".
واستمع أعضاء المجلس الى البيطار وتمّ التداول معه بما هو مثار بشأن ملف انفجار مرفأ بيروت، كما شدد المجلس على العمل على إنجاز التحقيق بأسرع وقت ممكن، وفق الاصول القانونية، وذلك للوصول إلى تحقيق العدالة وتحديد المسؤوليات بحقّ المرتكبين، وفق ما ورد في بيان مجلس القضاء الأعلى تاريخ 5/8/2020.
وفي موازاة ذلك، يشن حزب الله معركته الضارية ضد القضاء "المسيس" بحسب وصفه ويصرّ على استبدال القاضي طارق البيطار بسبب عدم رضاه على مسار التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت. و يبدو ان آخر رهان على قيام الدولة اللبنانية سيسقط قريبًا اذ بدأنا نشهد انزلاقًا خطرًا في حملة شعواء يشعر اللبنانيون بارتداداتها في الداخل. فمنطق الاستقواء والاستعلاء بات مرفوضًا من قبل غالبية اللبنانيين واعتبار "دولة حزب الله" بديلًا عن الدولة القائمة امر غير مرغوب فيه وينذر بكارثة لا تحمد عقباها.