صحيح أنّ هذا العام سيمر على اللبنانيّين بلا موائد فاخرة، وصحيح أنّ أطفالًا لن تُفرحهم هديّة، إلّا أنّهم في المقابل قد يعثرون على الفرح بأساليب أخرى غير مكلفة. ولكن ما عساهم يفعلون، من يمرّ عليهم العيد بلا أحبّاء؟
فاق الحزن قدرة أهالي ضحايا بيروت على التحمّل، فأرادوا أن يتقاسموه مع غيرهم. "نحن مش معيدين"، عبارة يتمتمها الأهالي عند كلّ عيد. أمّا اليوم فرددوها علنًا. في الرّابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الاول الحالي وفيما بلدان العالم على موعد مع الفرح، سيجتمع اللّبنانيّون في محيط موقع الانفجار عند الخامسة ظهرًا بتوقيت الوجع رافعين صور الضحايا مرفقة بعبارة "نحن مش معيدين".
الوقفة ليست تضامنًا مع الأهالي فحسب، بل احتجاجًا على محاولة القادة اللّبنانيّين الانقضاض على التحقيق.
منذ أكثر من شهر، عطّل الثنائي الشيعي الحكومة اللّبنانيّة احتجاجًا على استدعاء المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار وزراءَ تابعين لـ"حزب الله" و"حركة أمل".
الحكومة مقابل تطيير المحقّق العدلي، معادلة لا تزال سارية المفعول. بصريح العبارة، الحكومة رهينة ولا نيّة للإفراج عنها قبل التأكّد من أنّ المحقّق العدلي تراجع عن استدعاءاته.
صفقات على حساب الضحايا
في وقت ذبلت عيون أهالي الضحايا بحثًا عن حقيقة، حاول المعطّلون إسقاط التّحقيق أمنيًّا عبر توتير الشارع، وقضائيًّا عبر طلبات الرّد المتتالية، ونيابيًّا عبر البحث عن صيغة تفاهميّة تؤمّن نصاب جلسة نيابيّة تكون مخصّصة للتصويت على إحالة ملف التحقيقات مع المدّعى عليهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
تحوّلت تحقيقات المرفأ من مسألة قضائيّة إلى قضيّة تحاول أحزاب سياسيّة عبرها تحقيق مكاسب سياسيّة. ولا يمكن عزل المشهد الحالي عن الانتخابات النيابيّة المقرَّر إجراؤها في الربيع المقبل، إذ برزت مقايضة سياسيّة تتمثّل بتلبية مطالب انتخابيّة مقابل دفع المزيد من الأحزاب والتيّارات إلى دعم الهجوم على البيطار.
تخيّلوا أنّ كلّ هذا يحصل، فيما المواطنون لم يحصلوا في جريمة الرّابع من آب ولو حتى على جواب واحد لأسئلة كثيرة تطرح . وحدها الإجابة على هذا السؤال واضحة: هل أرواح الناس على مذابح السياسة رخيصة؟
لا يريد المواطنون أن تذهب دماء الضحايا هدرًا، فقرّروا القول: حتّى في أيّام الأعياد، لن ننسى أنّ في قلوبنا غصّة لن تهدأ ما دامت العدالة لم تتحقّق بعد وما دام المسؤولون وبكل وقاحة يتناسون عيونًا هجرها النّوم منذ أن حُرمَت رؤية من تُحب. ولعلّ أصدق ما يُعبّر عمّا يحدث، ما جاء على لسان عائلات الضحايا: " عيدكم فرحة، عيدنا حرقة. أنتم مجموعون في العيد، أمّا نحن فلا. من قال إنّنا نشعر بالعيد؟ نحن الأحياء أموات، لن تعود البهجة إلينا قبل أن يعود الحقُّ إلى أصحابه ويحاسَب كل واحد كان وراء تدميرنا وإعادتنا إلى العصر الحجريّ".