اكتنف الغموض دعوة زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر مناصريه لفك الاعتصام والإنسحاب الفوري من المنطقة الخضراء بعد يوم طويل من الاشتباكات الدامية أمس الإثنين. وفي مؤتمر صحافي عقده ظهر اليوم، جدَّد قراره اعتزال العمل السياسي نهائياً، وانتقد ثورة الصدريين الدموية.
قرار خروج الصدر من المشهد العام في العراق، جاء على خلفية انتقادات وجهها إليه أمس السيد كاظم الحائري، عند إعلانه الإعتزال كمرجع ديني، بسبب المرض والتقدم في العمر، موصياً العراقيين باتباع مرجعية السيد علي خامنئي في إيران.
وجاء في الوصية الخامسة من وصايا الحائري السبع "على أبناء الشهيدين الصدرين (..) أن يعرفوا أن حب الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقي لأهدافهما التي ضحيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين (..)، أو يتصدى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية فهو -في الحقيقة- ليس صدرياً مهما ادعى أو انتسب".
من هو الحائري؟
السيد كاظم الحسيني الحائري، عراقي المولد مقيم في قم الإيرانية، يعد أحد أبرز تلامذة المرجع الشيعي العراقي محمد باقر الصدر، ابن مؤسس حزب الدعوة محمد باقر الصدر الأول ووالد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، رجع إليه الكثير من العراقيين في التقليد وفي إدارة شؤونهم السياسيّة بعد مقتل أستاذه.
ولفهم طبيعة الخلاف والاختلاف بين المرجعيات الشيعية في العراق، تواصلت "جسور" مع المحلل السياسي حسن فحص الذي أوضح بداية أن "السيد الحائري يُعد أحد أبرز الفقهاء تاريخياً وأهمهم لدى حزب الدعوة باعتبار أنه كان عضواً أساسياً في مجلس فقهاء الحزب".
وأضاف "تبنيه لحركة السيد محمد باقر الصدر والد السيد مقتدى الصدر حوّله إلى مرجعية فقهية وشرعية للتيار الصدري لاحقاً فيما ابتعد عن حزب الدعوة واتخذ خطاً مستقلاً عنه."
وفسر إعادته القيادة إلى الخامنئي والولي الفقيه "لكون الحائري يعتقد، من الناحية الفقهية والشرعية، بولاية الفقيه وبأن السيد علي خامنئي هو الولي الفقيه ويجب إطاعته".
ولاية عامة أم خاصة
ولفت فحص إلى وجود خلاف فقهي بين المرجعيات "في من يرى أن ولاية الفقيه يجب أن تكون عامة أم خاصة" شارحا ًالفرق بين الاثنتين "الولاية الخاصة تختص بالأحكام الشرعية من حلال وحرام و وتسيير أمور الناس العاديين اليومية أما الولاية العامة فلها سلطة على جميع الشؤون الإجتماعية والثقافية والسياسية والعسكرية".
في المقابل أشار إلى أن "مرجعية السيستاني محفوظة بغض النظر عن موقف الحائري" وأفاد في هذا الإطار بأن "السيد السيستاني يعتقد بولاية الفقية الخاصة بينما المدرسة التي أسسها الخميني بناء على مدرسة تاريخية تعتقد أن ولاية الفقية عامة".
ونفى تعارض قرار الحائري مع صلاحيات المرجعيات أو موقعها، "لأن مرجعية السيد السيستاني كما مرجعية السيد الخوئي لا تؤمن بولاية الفقية مطلقاً وهي لديها رأيها" مؤكداً وجود "من لا يؤمن في ولاية الفقيه العامة في إيران وحوزة قم".
سياسياً موالٍ لإيران؟
وأكد فحص أن "السيد الحائري ألزم نفسه ومن يقلِّده بالعودة إلى مرجعية خامنئي لكنه لا يُلزم أي أحد لا يقلده أو يعتقد برأيه الفقهي أن يذهب بهذا الاتجاه فالمسألة قناعة شخصية عند المقلِّد" مضيفاً "ليس بالتالي فرضاً على كافة مناصري التيار الصدري الالتزام فمنهم من يقلد محمد باقر الصدر الأول ومنهم من يقلد محمد صادق الصدر ومنهم من يقلد السيستاني".
كشف الغموض
اعتبر فحص أن الحائري أخذ موقفاً متقدماً جداً من الصدر "انتقاد السيد الحائري لمقتدى الصدر بشكل غير مباشر هدفه القول له أنه لا يمثل شرعياً وقانونياً فكرة الصدرين وأنه أي مقتدى الصدر ذهب في مذاهب لا تنسجم مع أفكارهما".
والتزاماً منه برأي السيد الحائري “اعلن مقتدى الصدر سريعا اعتزال السياسة” كما شرح فحص معتبراً أن الصدر "لا يستطيع الخروج عن رأي السيد الحائري خصوصاً في هذه اللحظة لأن القاعدة الشعبية للتيار الصدري مقلِّدة له وأي تمرد للصدر على رأي المرجعية الحائري قد يحدث شرخاً داخل قاعدته الشعبية".
بالتالي برزت فعالية رسالة الحائري "عند مسارعة مقتدى الصدر الى وأد الفتنة والتبرؤ ممن أطلقوا النار والدفاع عن الحشد الشعبي كونه ينتمي إلى مؤسسة رسمية تابعة للقائد العام للقوات المسلحة عمد الإعلام لتحويلها إلى ميليشيا واستهدافها وتحميلها كل المسؤوليات في جر البلاد إلى الفتنة".
أين السيستاني
لم تشهد الساحة العراقية موقفاً للمرجعية السيستاني بحسب فحص "لأنه يتدخل في اللحظة الحاسمة عندما تذهب الأمور إلى مستويات متقدمة من الفتنة والدم ويجب ان يكون تدخله حاسماً ولا يتعرض للانتقاد أو عدم الطاعة".
ويعتقد فحص أن الحوار سيكون سيد الموقف في المرحلة المقبلة لحل كافة النزاعات بين الأطراف العراقية المتصارعة "كل الجهات جاهزة لتقديم التنازلات والتسويات".