بعدما استأنفت الحكومة اللبنانية جلساتها التي كانت معلقة بفعل اعتكاف وزراء الثنائي الشيعي أمل وحزب الله لمدة ثلاثة أشهر، أقرت الخميس موازنة جديدة من المفترض أن تشكل خارطة طريق للمرحلة المقبلة وأن تكون "الخطوة الأولى في مسار التصحيح المالي" بحسب ما صرح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عقب انتهاء الجلسة مذكراً بأن وزير المال سمى الموازنة "موازنة تصحيحية" لمرحلة انتقالية.
لكن الكشف عن بنود الميزانية الجديدة مع ما تضمنته من ضرائب إضافية نزل كالصاعقة على المواطنين باعتبار أنها قد تنهي ما تبقى من قدرتهم على الصمود في مواجهة الانهيار الاقتصادي الذي يثقل كاهلهم يومياً. وتقاطعت مخاوفهم مع نظرة الخبراء الاقتصاديين غير الإيجابية حيال الموازنة الجديدة.
نتائج عكسية
الأكاديمي والخبير الاقتصادي البروفيسور بيار الخوري أوضح في اتصال مع "جسور" أن هذه الموازنة كان من المتوقع أن تكون من طبيعة مختلفة تماماً أي حكومة إصلاحية بامتياز ونحن على مشارف الذكرى الثالثة لانهيار البلد الاقتصادي والمالي والنقدي" ويضيف " الموازنة الحالية لا تتعرض للمشاكل الرئيسية التي وقعت فيها البلاد بل هي كلاسيكية جداً وتصلح لتطبق في أي بلد ظروفه عادية جداً". في حين أن الحكومة الإصلاحية خارج الخطابات كما يراها الخوري تبدأ "بالموازنة التي تحدد خط الإنفاق للخروج من المستنقع" أما الموازنة الحالية، فاكتفت "بحل مشكلة الإيرادات المتعلقة بالحكومة ولم تعالج المشاكل الخاصة بالبلاد وبالاقتصاد".
وما يزيد الطين بلة أن لبنان، كونه حالة خاصة، فإن كل ارتفاع في الواردات سيؤدي إلى زيادة في التهريب في ظل عدم الإقفال الجمركي لحدودنا.
وأشار إلى أن الزيادات في الضرائب سوف تؤدي إلى نتائج عكسية في ظل مسار التضخم الذي بدأ مع رفع الدعم التدريجي ثم الكامل ويستكمل الآن من خلال رفع الدولار الجمركي ورفع الرسوم العقارية ورفع أسعار الخدمات الهاتفية ورفع تسعيرة الكهرباء دون الأخذ بعين الاعتبار أن مستوى الدخل في لبنان منخفض ومن المتوقع أن تؤدي هذه الزيادة الواسعة في الضرائب إلى ضعف في الطلب وبالتالي إلى انخفاض في القدرة على تحصيل الضرائب.
الخوري أكد أيضاً أن الحكومة أرست جموداً في البلاد كونها لم تلحظ أي مشاريع استثمارية في موازنتها شارحاً أن الاقتصاد اللبناني متضرر بما فيه الكفاية ولا يحتمل ضرراً إضافياً من خلال إجراءات شكلية اعتباطية لا ترقى إلى مستوى الأزمة وتداعياتها.
دور السياسة
من جهة أخرى وفي حديث لـ"جسور" لم يستبعد الباحث في الدولية للمعلومات الدكتور محمد شمس الدين أن يكون لإقرار الموازنة بعد سياسي والمدخل "لعودة وزراء الثنائي الشيعي إلى الحكومة" بعد أن أصدروا بياناً ربطوا فيه عودتهم عن مقاطعة جلسات الحكومة بإقرار بند الموازنة".
ويفسر شمس الدين قرار الثنائي فك أسر الحكومة بفكرة "الرجوع عن الخطأ فضيلة" خصوصاً لعدم قدرتهما على الاستمرار في تحمل تبعات قرارهما السابق وتحميلهما مسؤولية الانهيار السريع وهم في الأساس جزء لا يتجزأ من هذه الحكومة.
من جهة أخرى رأى شمس الدين أن الحكومة حاولت من خلال الموازنة إرسال إشارة إيجابية للبنك الدولي تؤكد عودتها للعمل.
على أن شمس الدين لا يرى أن الميزانية بإمكانها تغيير الواقع ولفت إلى أنه كان يجدر بالحكومة "إطلاق خطة تعافي كاملة تتضمن إصلاحاً مالياً على أن تكون الموازنة جزءاً منها وليس العكس، باعتبار أن الدولار الجمركي قد تتغير قيمته في أي وقت، في مرحلة انتقالية تتطلب جهوداً جبارة وتحاج إلى رؤية واضحة".