ثلاثة حروب أفضت إلى دمار هائل في مكونات البيئة الطبيعية في العراق، وما نتج عنها من تلوث إشعاعي. دائرة الوقاية من الاشعاع في وزارة البيئة، أعلنت أخيراً، عن حاجتها الى 4 ملايين دولار لتخليص العراق من التلوث الاشعاعي بشكل تام. فما هي أنواع التلوث الإشعاعي في العراق؟ وما هي مصادره؟
كأنه لا يكفي ما عانته الغالبية الساحقة من العراقيين وهي تعيش، منذ نحو أربعة عقود، في بيئة موبوءة بسموم أخطر الملوثات، نتيجة الحروب التي شهدتها البلاد حتى بات من غير الممكن للحكومة العراقية بإمكاناتها المحدودة، وفق خبراء، أن تقوم بمهمة تخليص البلاد من التلوث الإشعاعي من دون مساعدة دول الجوار المعنية مباشرة بالأمر والمتضررة من هذا التدهور، وبمساعدة وإشراف المنظمات الدولية المعنية.
التلوّث الإشعاعي.. الموت المنسي!
التلوث الاشعاعي في العراق، نتج أولاً، من استخدام قوات التحالف المفرط في الحربين الأخيرتين للأعتدة المحتوية على اليورانيوم المنضب، القابل للإشتعال والتدمير والاختراق، وثانيا ما حدث بعد عمليات السلب والنهب لموقع التويثة للأبحاث النووية، جنوب بغداد، وقد تلوث الهواء والماء والتراب والزرع مما سيدوم تأثيره للاجيال المقبلة.
وفي هذا الإطار، اشار الباحث البيئي العراقي المهتم في شؤون المياه والأهوار، أحمد صالح نعمة، إلى أنه منذ ثمانينات القرن الماضي، ومنذ انطلاقة أول رصاصة بين العراق وإيران، توالت الحروب بعد ذلك، فامتدت الحرب الأولى بين البلدين لمدة ثماني سنوات زرعت خلالها ملايين الألغام على الحدود العراقية – الإيرانية، ناهيك عن الألغام البحرية التي ألقيت في الخليج العربي ثم تلتها تلوثات بيئية كبيرة خلّفتها الحرب بين الطرفين.
وأضاف نعمة في اتصال مع "جسور"، أنّ "حرب حلبجة في إقليم كردستان العراق تعدّ من أخطر الملوثات البيئية حيث استخدمت فيها الأسلحة الكيميائية لضرب الأكراد في فترة الثمانينات، ثم تلتها حرب الخليج التي أحدثت الضرر البيئي الأكبر من خلال حرق الآبار الكويتية، من قبل النظام الأسبق، ما أدى إلى استهلاك النفط بطريقة غير صحيحة، ونتج عنه إنبعاثات كربونية سامة كوّنت سحباً ضخمة من الغيوم، أمطرت بنتيجتها سماء بغداد مطراً أسود محمّلاً بأخطر المواد المسرطنة".
حربا الخليج
إلا أن آثار التلوث اشتدت، خصوصا بعد حربي الخليج الأولى (1980-1988) والثانية 1991، حيث سقطت آلاف الأطنان من القنابل التي يحتوي بعضها على اليورانيوم المستنفذ.
ويعلّق نعمة: "ناهيك عن التلوث الإشعاعي، الذي نتج عن الضربات الأميركية الجوية، خلال حربي الخليج الأولى والثانية، والتي استهدفت آنذاك مواقع عسكرية عراقية في البصرة وبغداد، وشكّلت إحدى أهم الملوثات التي لا زالت تداعياتهما البيئية والصحية تخيّم على الأجواء العراقية لتهدد صحة وسلامة البيئة والإنسان".
وعن التلوث الذي يعانيه نهر دجلة الذي يسير من أقصى شمال الموصل حتى البصرة جنوب العراق، والذي لم يعد منبعاً للحياة، كما كان يُلقّب؛ يؤكد الناشط في مجال البيئة لـ"جسور"، أن "كميات كبيرة من الملوثات البيئية المسرطنة والمسببة لأمراض عديدة تلقى في مجرى النهر، من بينها النفايات الطبية، ومياه الصرف الصحي". مشيرا إلى "النقص الحاد في مشاريع الاستصلاح العراقية التي تخلّص الأراضي الزراعية من الأملاح والعناصر الضارة المؤدية إلى ملوحة الأرض وتغيّر نوعية التربة، والتي ستنعكس بشكل مباشر على المنتج المحلي من خُضار وفاكهة مشبّعة بأخطر بالملوثات".
كما تطرق نعمة، إلى شبه الفيضان القوي الذي تعرّض له العراق بين عامي 1987 – و1988، وما سبّبه من خسارة فادحة في البساتين الزراعية في المحافظات الجنوبية، كونها أراض منخفضة داخل العراق، لافتا إلى أن "ارتفاع المناسيب الملحية داخل البساتين وغرقها ادى إلى تلف الكثير من الأراضي الزراعية، ولم يبقَ منها سوى شجر النخيل كونه مقاوم للظروف والكوارث الطبيعية".
أرقام وإحصائيات خطيرة
وينتشر مرض السرطان بين سكان العراق بوقت لم تتدخل فيه الحكومات الاتحادية المتعاقبة لمساعدة رعاياها على التخلّص ممّا يعانونه، وتفيد أرقام وزارة الصحة بأن أكثر من 25 ألف إصابة بالسرطان مُسجلة في العراق حتى الآن، أغلبها بسبب مخلفات الحرب وبعض أنواع الذخائر والأسلحة التي استُخدمت خلال غزو العراق عام 2003.
وتقول الوزارة إن المعدل السنوي للإصابة بمرض السرطان في العراق يبلغ 2500 حالة، بينها 20% إصابات بسرطان الثدي، وقد حصدت البصرة أعلى نسب الإصابة بالسرطان بين عامَي 2015 و2017، فقد تراوح بين 400 و500 إصابة شهرياً، لكنه ارتفع بنسبة تصل إلى 200% تقريباً خلال 2018.
وتضيف أن البصرة تتصدر مدن العراق بتسجيل إصابات بالسرطان، إذ بلغ معدل الإصابات الشهرية عام 2020 ما يقارب 600 إلى 700 إصابة، وهذا ينذر بكارثة صحية خطرة في المحافظات الجنوبية، وعلى الجهات أن تتعاون مع وزارة الصحة لمساعدة المرضى.
وبعد ثلاث سنوات من العمل الدؤوب، نجح باحثون عراقيون في إزالة ومعالجة التلوث الإشعاعي، الناجم عن مخلفات استخدام أسلحة كيمائية منذ عقود، وفق ما أعلنته منذ ايام قليلة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في البلاد.
نوعان من التلوث الإشعاعي
وكانت وزارة الصحة والبيئة، حدّدت في وقت سابق نوعين من التلوث الإشعاعي، وقال وكيل الوزارة جاسم الفلاحي، في تصريح صحافي إن "العراق يواجه نوعا آخر من التلوث، وهو التلوث الإشعاعي المرتبط قسم منه بالبرنامج النووي العراقي السابق، وقسم آخر مرتبط بالمواقع التي استخدمت في ضرب الأسلحة التي تحتوي على اليورانيوم المنضب"، مؤكداً على "أهمية هذا الموضوع، لارتباطه بصحة وحياة المواطنين".
وأضاف، أن "هنالك مواقع في الوزارة وهي مركز الوقاية من الإشعاع تعد المسؤولة بموجب القانون عن الرقابة على كل الأنشطة الملوثة في المجالين الإشعاعي والنووي، أما وزارة العلوم والتكنلوجيا ومنظمة الطاقة الذرية، هما الجانب التنفيذي المسؤول عن المعالجة".
وأشار إلى أن "الوزارة لديها خارطة كاملة مؤشرة عليها المواقع عن طريق VPS، وكل المواقع مؤشرة ضمن إطار علمي، لتحديد الأماكن الملوثة بالإشعاع، ومتابعة إجراءات معالجتها، والقضاء عليها، من أجل إعلان مثل هذه المناطق خالية من الإشعاع".
وفيما يخص مواقع الطمر العشوائية، أوضح أنه "ثمة خلل كبير، وتهاون من قبل بعض الجهات، في أداء الواجب، كدوائر البلدية وأمانة بغداد، التي تحمل جزءا كبيرا من المسؤولية".
4 ملايين دولار للتخلّص من آثاره
من جهتها، أعلنت دائرة الوقاية من الاشعاع في وزارة البيئة العراقية، حاجتها الى 4 ملايين دولار فقط لتخليص العراق من التلوث الاشعاعي بشكل تام.
وقال مدير عام الدائرة صباح حسن الحسيني، ان "الدائرة ستقدم الخطة الى الامانة العامة لمجلس الوزراء لاقرار موازنة الفريق المكلف بتخليص العراق من اثار التلوث الاشعاعي وبموازنة لا تتعدى الـ4 ملايين دولار"، مشيراً الى ان "الشركات الاجنبية يمكن ان تكلف العراق 500 مليون دولار في حال رغبتها بمسح اشعاعي لمحافظة واحدة".
كأنه لا يكفي ما عانته الغالبية الساحقة من العراقيين وهي تعيش، منذ نحو أربعة عقود، في بيئة موبوءة بسموم أخطر الملوثات، نتيجة الحروب التي شهدتها البلاد حتى بات من غير الممكن للحكومة العراقية بإمكاناتها المحدودة، وفق خبراء، أن تقوم بمهمة تخليص البلاد من التلوث الإشعاعي من دون مساعدة دول الجوار المعنية مباشرة بالأمر والمتضررة من هذا التدهور، وبمساعدة وإشراف المنظمات الدولية المعنية.
التلوّث الإشعاعي.. الموت المنسي!
التلوث الاشعاعي في العراق، نتج أولاً، من استخدام قوات التحالف المفرط في الحربين الأخيرتين للأعتدة المحتوية على اليورانيوم المنضب، القابل للإشتعال والتدمير والاختراق، وثانيا ما حدث بعد عمليات السلب والنهب لموقع التويثة للأبحاث النووية، جنوب بغداد، وقد تلوث الهواء والماء والتراب والزرع مما سيدوم تأثيره للاجيال المقبلة.
وفي هذا الإطار، اشار الباحث البيئي العراقي المهتم في شؤون المياه والأهوار، أحمد صالح نعمة، إلى أنه منذ ثمانينات القرن الماضي، ومنذ انطلاقة أول رصاصة بين العراق وإيران، توالت الحروب بعد ذلك، فامتدت الحرب الأولى بين البلدين لمدة ثماني سنوات زرعت خلالها ملايين الألغام على الحدود العراقية – الإيرانية، ناهيك عن الألغام البحرية التي ألقيت في الخليج العربي ثم تلتها تلوثات بيئية كبيرة خلّفتها الحرب بين الطرفين.
وأضاف نعمة في اتصال مع "جسور"، أنّ "حرب حلبجة في إقليم كردستان العراق تعدّ من أخطر الملوثات البيئية حيث استخدمت فيها الأسلحة الكيميائية لضرب الأكراد في فترة الثمانينات، ثم تلتها حرب الخليج التي أحدثت الضرر البيئي الأكبر من خلال حرق الآبار الكويتية، من قبل النظام الأسبق، ما أدى إلى استهلاك النفط بطريقة غير صحيحة، ونتج عنه إنبعاثات كربونية سامة كوّنت سحباً ضخمة من الغيوم، أمطرت بنتيجتها سماء بغداد مطراً أسود محمّلاً بأخطر المواد المسرطنة".
حربا الخليج
إلا أن آثار التلوث اشتدت، خصوصا بعد حربي الخليج الأولى (1980-1988) والثانية 1991، حيث سقطت آلاف الأطنان من القنابل التي يحتوي بعضها على اليورانيوم المستنفذ.
ويعلّق نعمة: "ناهيك عن التلوث الإشعاعي، الذي نتج عن الضربات الأميركية الجوية، خلال حربي الخليج الأولى والثانية، والتي استهدفت آنذاك مواقع عسكرية عراقية في البصرة وبغداد، وشكّلت إحدى أهم الملوثات التي لا زالت تداعياتهما البيئية والصحية تخيّم على الأجواء العراقية لتهدد صحة وسلامة البيئة والإنسان".
وعن التلوث الذي يعانيه نهر دجلة الذي يسير من أقصى شمال الموصل حتى البصرة جنوب العراق، والذي لم يعد منبعاً للحياة، كما كان يُلقّب؛ يؤكد الناشط في مجال البيئة لـ"جسور"، أن "كميات كبيرة من الملوثات البيئية المسرطنة والمسببة لأمراض عديدة تلقى في مجرى النهر، من بينها النفايات الطبية، ومياه الصرف الصحي". مشيرا إلى "النقص الحاد في مشاريع الاستصلاح العراقية التي تخلّص الأراضي الزراعية من الأملاح والعناصر الضارة المؤدية إلى ملوحة الأرض وتغيّر نوعية التربة، والتي ستنعكس بشكل مباشر على المنتج المحلي من خُضار وفاكهة مشبّعة بأخطر بالملوثات".
كما تطرق نعمة، إلى شبه الفيضان القوي الذي تعرّض له العراق بين عامي 1987 – و1988، وما سبّبه من خسارة فادحة في البساتين الزراعية في المحافظات الجنوبية، كونها أراض منخفضة داخل العراق، لافتا إلى أن "ارتفاع المناسيب الملحية داخل البساتين وغرقها ادى إلى تلف الكثير من الأراضي الزراعية، ولم يبقَ منها سوى شجر النخيل كونه مقاوم للظروف والكوارث الطبيعية".
أرقام وإحصائيات خطيرة
وينتشر مرض السرطان بين سكان العراق بوقت لم تتدخل فيه الحكومات الاتحادية المتعاقبة لمساعدة رعاياها على التخلّص ممّا يعانونه، وتفيد أرقام وزارة الصحة بأن أكثر من 25 ألف إصابة بالسرطان مُسجلة في العراق حتى الآن، أغلبها بسبب مخلفات الحرب وبعض أنواع الذخائر والأسلحة التي استُخدمت خلال غزو العراق عام 2003.
وتقول الوزارة إن المعدل السنوي للإصابة بمرض السرطان في العراق يبلغ 2500 حالة، بينها 20% إصابات بسرطان الثدي، وقد حصدت البصرة أعلى نسب الإصابة بالسرطان بين عامَي 2015 و2017، فقد تراوح بين 400 و500 إصابة شهرياً، لكنه ارتفع بنسبة تصل إلى 200% تقريباً خلال 2018.
وتضيف أن البصرة تتصدر مدن العراق بتسجيل إصابات بالسرطان، إذ بلغ معدل الإصابات الشهرية عام 2020 ما يقارب 600 إلى 700 إصابة، وهذا ينذر بكارثة صحية خطرة في المحافظات الجنوبية، وعلى الجهات أن تتعاون مع وزارة الصحة لمساعدة المرضى.
وبعد ثلاث سنوات من العمل الدؤوب، نجح باحثون عراقيون في إزالة ومعالجة التلوث الإشعاعي، الناجم عن مخلفات استخدام أسلحة كيمائية منذ عقود، وفق ما أعلنته منذ ايام قليلة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في البلاد.
نوعان من التلوث الإشعاعي
وكانت وزارة الصحة والبيئة، حدّدت في وقت سابق نوعين من التلوث الإشعاعي، وقال وكيل الوزارة جاسم الفلاحي، في تصريح صحافي إن "العراق يواجه نوعا آخر من التلوث، وهو التلوث الإشعاعي المرتبط قسم منه بالبرنامج النووي العراقي السابق، وقسم آخر مرتبط بالمواقع التي استخدمت في ضرب الأسلحة التي تحتوي على اليورانيوم المنضب"، مؤكداً على "أهمية هذا الموضوع، لارتباطه بصحة وحياة المواطنين".
وأضاف، أن "هنالك مواقع في الوزارة وهي مركز الوقاية من الإشعاع تعد المسؤولة بموجب القانون عن الرقابة على كل الأنشطة الملوثة في المجالين الإشعاعي والنووي، أما وزارة العلوم والتكنلوجيا ومنظمة الطاقة الذرية، هما الجانب التنفيذي المسؤول عن المعالجة".
وأشار إلى أن "الوزارة لديها خارطة كاملة مؤشرة عليها المواقع عن طريق VPS، وكل المواقع مؤشرة ضمن إطار علمي، لتحديد الأماكن الملوثة بالإشعاع، ومتابعة إجراءات معالجتها، والقضاء عليها، من أجل إعلان مثل هذه المناطق خالية من الإشعاع".
وفيما يخص مواقع الطمر العشوائية، أوضح أنه "ثمة خلل كبير، وتهاون من قبل بعض الجهات، في أداء الواجب، كدوائر البلدية وأمانة بغداد، التي تحمل جزءا كبيرا من المسؤولية".
4 ملايين دولار للتخلّص من آثاره
من جهتها، أعلنت دائرة الوقاية من الاشعاع في وزارة البيئة العراقية، حاجتها الى 4 ملايين دولار فقط لتخليص العراق من التلوث الاشعاعي بشكل تام.
وقال مدير عام الدائرة صباح حسن الحسيني، ان "الدائرة ستقدم الخطة الى الامانة العامة لمجلس الوزراء لاقرار موازنة الفريق المكلف بتخليص العراق من اثار التلوث الاشعاعي وبموازنة لا تتعدى الـ4 ملايين دولار"، مشيراً الى ان "الشركات الاجنبية يمكن ان تكلف العراق 500 مليون دولار في حال رغبتها بمسح اشعاعي لمحافظة واحدة".