تصعيد جديد يسجل على خط الحكومة المركزية في العراق وحكومة إقليم كردستان العراق، بعد قرار المحكمة الإتحادية العراقية إلزام الإقليم تسليم كامل إنتاج النفط المستخرج من حقوله، إلى وزارة النفط الإتحادية. واعتبرت حكومة الإقليم، في بيان لها، أن قرار المحكمة العليا "غير عادل وغير دستوري"، مؤكدة أنها ستتخذ "جميع الإجراءات الدستورية والقانونية والقضائية لضمان وحماية جميع العقود المبرمة في مجال النفط والغاز".
وفي الوقت الذي أكد فيه خبراء قانون أن قرار المحكمة دستوري، شكك البعض بالقرار من خلفيات سياسية حول توقيت القرار والرسالة المراد إيصالها منه في ظل المماحكات السياسية والتوترات التي عرفها العراق بعد 3 أشهر على إجراء الإنتخابات التشرعية المبكرة.
القرار مبرم
أكد الخبير القانوني العراقي، فيصل راضي ريكان، في حديثٍ لـ "جسور" دستورية القرار الصادر عن المحكمة الإتحادية بما يخص إلزام إقليم كردستان بتسليم كامل إنتاج النفط المستخرج من حقوله، مشدداً على أن "القرار من ضمن اختصاصها وصلاحياتها وذلك بموجب الدستور العراقي لعام 2005".
وبحسب ريكان، للمحكمة الإتحادية الصلاحيات بموجب المادة 93 من الدستور العراقي بمراقبة دستورية القوانين وكل قانون غير موافق للدستور يمكنها إلغاؤه أو اعتباره باطلاً". وتابع شارحاً، "قانون النفط والغاز المشرع من قبل إقليم كردستان مخالف للنصوص الدستورية تبعاً للمواد 111 و112 من الدستور العراقي، باعتبار أنه لا يمكن للإقيلم أو المحافظة التفرد بعقد الإتفاقيات مع الجهات الخارجية من دون الرجوع إلى الحكومة المركزية وهذا ما حددته المادة 112 التي تحدثت عن إدارة ملف النفط والغاز من قبل الحكومة الإتحادية وتوزيع الثروات والإيرادات بالتساوي على الشعب العراقي".
وأشار ريكان، إلى أن "اقليم كردستان بدء تصدير النفط وعقد الإتفاقيات من دون الرجوع إلى الحكومة في بغداد وهذه مخالفة واضحة لذلك أتى قرار المحكمة الإتحادية موافق تمامًا للدستور".
وبيّن الخبير القانوني، أنه "وفقاً للمادة 94 من الدستور قرارات المحكمة الاتحادية مبرمة وغير قابلة للطعن أو الإستئناف ووجوب تنفيذها قطعي".
يشار إلى أن العراق بلد فيدرالي وليس كونفدرالي، ولشركة تسويق النفط العراقية (سومو) الاختصاص الحصري في تصدير النفط. وهذا ما ارتكزت المحكمة الإتحادية عليه وتحديداً في المادة 111 من الدستور العراقي، بأن النفط والغاز ملك الشعب العراقي، وبالتالي فإن إدارة النفط والغاز هي من التجارة الخارجية، وهي من اختصاص الحكومة العراقية المركزية بحسب المادة 110 من الدستور.
الوجه السياسي
في حين ارتاب البعض من توقيت القرار والغرض منه بظل المرحلة السياسية الدقيقة التي تمر بها البلاد قال المحلل السياسي، باسل الكاظمي: "الحديث عن أهداف سياسية للقرار أمر مرفوض فهو ينسف مبدأ استقلالية القضاء ويوحي أن القضاء العراقي يأخذ قراراته بخلفيات سياسية في حين أن الواقع مخالف تماماً".
وفي حديثٍ لـ "جسور وصف الكاظمي، قرار المحكمة الإتحادية بـ "الشجاع" ويعزز الاستقلالية على عكس ما يشاع، "عمد الإقليم إلى تصدير النفط وعقد اتفاقيات خارجية ما قد يدفع بمحافظات اخرى في الجنوب أو الغرب للقيام بالأمر عينه".
واعتبر الكاظمي أن "مسألة النفط منفصلة تماًماً عن الضغوطات السياسية على الجانب الكردي، مذكراً بان قرار المحكمة الاتحادية ألزم الحكومة الاتحادية أيضاً دفع المستحقات والرواتب التي لطالما طالب بها اقليم كردستان بعد تنفيذ قراره بتسليم الإقليم إنتاج النفط".
وتبلغ صادرات العراق الذي يعد ثاني أكبر بلد مصدر للنفط في منظمة "أوبك"، حوالي 3.5 ملايين برميل يوميا تمثل وارداتها المالية 90 في المئة من موازنة البلاد. وكان إقليم كردستان تعهد تسليم 250 ألف برميل من إنتاجه اليومي الذي يتجاوز 400 ألف برميل للحكومة المركزية عبر وزارة النفط، في مقابل حصوله على رواتب المسؤولين الأكراد ومقاتلي البشمركة، القوات المسلحة التابعة للإقليم.
حقوق الإقليم
من جانبه، أصدر المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، أمين بابا شيخ، بياناً جاء فيه "بالرغم من حماية مبادئ دستور العراق الاتحادي، لكن لا بد من مراعاة حقوق إقليم كردستان الدستورية في هذا القرار".
وأضاف من الضروري التفكير في "ايجاد حلول للمشكلات بين إقليم كردستان والحكومة الإتحادية العراقية في هذه المرحلة، وليس تعقيد المشاكل أكثر. وكان لا بد من تفاوض حكومة إقليم كردستان والحكومة الإتحادية العراقية على هذه القضية والقضايا الأخرى بعد تشكيل الحكومة الإتحادية العراقية استناداً إلى الأسس الدستورية".
وطالب شيخ "جميع الجهات الا تنتهك الدستور لأجل نيات سياسية ضيقة، وتطبيق البنود الدستورية لقضية مثل قانون النفط والغاز ومجمل القضايا المصيرية الأخرى، في سبيل حماية النظام الاتحادي وإنجاح العملية السياسية في العراق، كما نطالب جميع الجهات السياسية بحل المشكلات السياسية من خلال الحوار والتفاهم السياسي".