اللقاءات الحوارية التي انطلقت في العديد من المناطق اللبنانية تشهد نقاشات صاخبة وحامية بين منطقين، الاول لا يرى فائدة من الحوار والدعوة للوحدة في ظل عدم توازن القوى بين مختلف الاطراف اللبنانية وان الخيار الافضل الذهاب الى التقسيم او الفيدرالية او العمل لتشكيل قوة سياسية وشعبية وقادرة على مواجهة الاطراف الاخرى وفي مقدمها حزب الله وحلفاؤه ومن يقبل العيش تحت سلطته وفي ظل رؤيته وافكاره ، والمنطق الثاني يدعو للبحث عن كيفية استعادة الهوية الوطنية الوحدوية والعمل من اجل بناء لبنان على أسس جديدة تضمن المساواة والحقوق لجميع المواطنين بعد فشل الصيغ القديمة والحاجة الى رؤية جديدة لمستقبل لبنان من خلال مراجعة التجارب السابقة، وان لا خيار امام اللبنانيين سوى الحوار واللقاء والتواصل للبحث عن المساحات المشتركة، مع العمل لمعالجة الهواجس والمخاوف التي تواجه اللبنانيين والتي ادت الى الصراعات والحروب طيلة العقود الماضية، والتي دفعت معظم اللبنانيين والقوى السياسية والحزبية للتعاون مع قوى خارجية لتأمين الحماية او الدفاع عن حقوقها ووجودها.
هذه النقاشات والحوارات الصاخبة حضرت في اللقاء الحواري الذي دعا اليه " لقاء من أجل لبنان " في مركز لقاء الحواري في الربوة يوم السبت في 13 اغسطس/اب الماضي، وكذلك خلال ورش العمل واللقاءات التحضيرية التي تعقدها مجموعة منتدى التكامل الاقليمي من اجل الاعلان والنقاش حول وثيقة الهوية الوطنية، وخلال اللقاءات الحوارية التي بدأها كل من حزب الخضر اللبناني والمجمع الثقافي الجعفري للبحوث والدراسات الاسلامية وحوار الاديان للبحث عن مستقبل لبنان، وكذلك خلال العديد من اللقاءات الثنائية والحوارية والتي تجري بين شخصيات لبنانية متعددة سواء بشكل مباشر أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي .
وفي موازة ذلك فان شخصيات اخرى تؤكد ان الاولوية اليوم ليس للنقاش حول الهوية او مستقبل لبنان، بل ان الاولوية لمواجهة المشروع الايراني الذي يحتل لبنان عبر حزب الله ، وان المطلوب تعاون كل القوى المؤمنة بهذا الخيار لمواجهة الحزب وحلفائه ومنع ايصال رئيس جديد للجمهورية يحظى بتأييد الحزب وحلفائه، وهذا ما يطرحه المجلس الوطني لتحرير لبنان من الاحتلال الايراني والذي اعلن عن ورقة عمل حول مشروعه السياسي يوم الثلثاء الماضي .
وفي المقابل، تنشط شخصيات أخرى من اتجاهات متعددة لطرح مشاريع إنقاذية للبنان والتركيز على المشاكل التي يعاني منها اللبنانيون اليوم، سواء على الصعد الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية ، أو بسبب انهيار مؤسسات الدولة وتراجع دور القضاء وضعف دور الجيش والاجهزة الامنية وانتشار العنف المجتمعي واستخدام العنف في الصراعات والمشاكل المختلف ، ومن أهم هذه المبادرات اللقاء التشاوري المشترك والذي يجمع ملتقى الاديان والثقافات للتنمية والحوار برئاسة العلامة السيد علي فضل الله والمنسقية العامة لشبكة الامان للسلم الاهلي برئاسة المحامي عمر زين، ويسعى هذا اللقاء لاستكمال المبادرة التي أطلقها من دار طائفة الموحدين الدروز في السابع والعشرين من شهر يوليو/تموز الماضي عبر عقد لقاء موسع آخر لدعم النداء الذي اطلقه على ان يحدد الموعد والمكان لاحقا.
في حين ان مجموعة " كيانيون من اجل لبنان " والتي تضم شخصيات مسيحية متنوعة من " اتحاد اورا " والذي يشرف عليه الاب طوني خضرا لا تزال تحاول التحرك لمناقشة الوثيقة حول كيفية خروج لبنان من أزمته الحالية ووضع خارطة طريق للاصلاح في المستقبل.
نحن امام حوارات ونقاشات مختلفة تؤكد عمق الازمة الخطيرة التي يواجهها لبنان واللبنانيون، والمعركة حول انتخابات رئيس الجمهورية بين مختلف القوى السياسية والحزبية والتهديدات التي تطلقها بعض الاطراف لمنع حصول الانتخابات المقبلة في حال كانت ستؤدي لوصول رئيس جديد مدعوم من حزب الله وحلفائه، كل ذلك يؤكد خطورة المرحلة المقبلة خصوصا في حال عدم النجاح في تشكيل حكومة جديدة وتفاقم الصراع بشأن الترسيم البحري واندلاع مواجهة عسكرية بين حزب الله والجيش الاسرائيلي.
وفي الخلاصة، المخاطر الوجودية تزداد حول لبنان واللبنانيين، ولا خيار سوى الحوار والوحدة ونبذ كل الدعوات التقسيمية والتصعيدية، والا فإننا جميعا ذاهبون الى الخراب والدمار مرة اخرى، فهل نتعلم من تاريخنا او ندفن رؤوسنا في التراب؟