يدور العراق في حلقة متكرّرة من أزمات المياه وخصوصًا في مناطق الأهوار، قضاء الجبايش جنوبي البلاد، حيثُ يعيش السكان بخوف بفعل انخفاض مناسيب المياه، وخشية من تزايد ملوحة المياه ما قد يتسبب في قتل الحيوانات البحرية، الذين يعتمدون بمعظمهم على الصيد المائيّ من أجل تأمين موارد حياتهم.
وبحسب الخبير البيئي العراقي أحمد صالح نعمة، فإن "انخفاض مناسيب المياه يعود إلى كوننا مررنا بشتاء غير مطري يعقبه ربيع غير مطري، فالأمطار التي تساقطت هذا العام كانت منخفضة المنسوب بشكل كبير، إضافة إلى بناء دول الجوار كتركيا وإيران، السدود على نهري دجلة والفرات".
وقال صالح نعمة، في حديث لـ"جسور"، إن "المناطق الجنوبية هي الأكثر تأثرًا على اعتبار أنها تقع في المصب وليس في المنبع، وأنها تعتمد بشكل كامل على مياه دجلة والفرات، في حين أنه يوجد في شمال العراق ينابيع داخلية ولا يعتمد السكان فيه على مياه الأمطار فقط، وحال الجنوب داخل العراق كحال العراق بالنسبة لبقية الدول، فنحن دولة مصب ولسنا دولة منبع، وبالتالي نحن الحلقة الأضعف في السلسلة المائية الموجودة في الإقليم".
تغير ديموغرافي
كما أشار إلى أن "كل هذه التغيّرات أدّت إلى فقدان كميات كبيرة جدّا من المساحات المائية، بما يفوق مساحة دولة، فمحافظة ميسان فقدت آخر هور من أهوارها مؤخرًا، والمنطقة المتضرّرة فيها واسعة وكبيرة جدًا، كما تضرّرت الثروة الحيوانية والسمكية بشكل كبير جدًا فيها، كذلك التنوع الحيوي".
وتابع: "نضيف إلى ذلك، التغيّر الديموغرافي الذي حصل بسبب هجرة وانتقال عدد كبير من سكان الجنوب إلى المدن، الأمر الذي قد يحدث خللاً إجتماعيًا وإقتصاديًا كبيرًا".
وضُمت مناطق الأهوار إلى لائحة التراث العالمي قبل نحو 6 سنوات، حينما صوّتت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" بإجماع أعضائها على ضمّها إلى لائحة التراث العالمي.
والعراق هو خامس بلد في العالم معرض لخطر أزمة المناخ، وفقًا للأمم المتحدة.
وتزداد درجات الحرارة فيه صيفًا، لتسجّل درجات قياسية قد تتخطى الـ50 درجة، ما قد يساهم بتراجع إضافي في منسوب المياه.
اجتماع موسّع
وفي وقت سابق، عقد الرئيس العراقي الدكتور برهم صالح، في قصر السلام ببغداد، اجتماعًا موسّعا بمناسبة اليوم العالمي للبيئة، بحضور وزير البيئة العراقي جاسم الفلاحي وممثلين عن الأمم المتحدة واليونسكو ومنظمات المجتمع المدني العراقية المُتخصصة في موضوع حماية البيئة، شدّد فيه على ضرورة أن يصبح التصدي لتغيّر المناخ أولوية وطنية في العراق، كونه يمثل خطر وجودي لمستقبل البلد باعتباره واحدا من أكثر البلدان عُرضة لمخاطر تأثير تغير المناخ، مشيرًا إلى ضرورة إنعاش وادي الرافدين عبر الخطط الاستراتيجية الوطنية الموضوعة في هذا الصدد إلى جانب الشراكة الضرورية لمنظمات المجتمع المدني والشباب في هذا الجانب.
وقال الرئيس العراقي إن "عدد سكان العراق اليوم أكثر من 41 مليونًا، وسيكون 52 مليونًا بعد عشر سنوات، و80 مليونًا في العام 2050 ستترافق مع زيادة الطلب على المياه، فيما يؤثر التصحر على 39% من أراضينا وشحة المياه تؤثر الآن سلبًا على كل أنحاء بلدنا وسيؤدى إلى فقدان خصوبة الأراضي الزراعية بسبب التملح"، مشيرا إلى ضرورة عدم الاعتماد على الاقتصاد الريعي، بل الانطلاق نحو تحقيق التحول الاقتصادي.
ولفت إلى أنه "من المتوقع أن يصل العجز المائي في العراق إلى 10.8 مليار متر مكعب بحلول عام 2035 حسب دراسات وزارة الموارد المائية، بسبب تراجع مناسيب دجلة والفرات والتبخر في مياه السدود وعدم تحديث طرق الري".
مبادرات ممتازة
واعتبر أن "العراق بموقعة الجغرافي في قلب المنطقة، وتنوعه البيئي حيث النخيل والأهوار وجبال كردستان، يُمكّنه أن يكون منطلقًا لجميع دول الشرق الأوسط بيئيا"، مشددًا على ضرورة دعم الشباب بقوة في العمل المناخي، مشيرا إلى أن الشباب العراقي مُساهم أساسي في موضوع حماية البيئة، ولهم مبادرات ممتازة في هذا الصدد، إلى جانب الدور الكبير لمنظّمات المجتمع الدولي المُتخصصة في قضية البيئة.
وأكّد أن "أزمة المناخ لا تُميز أو تستثنى بلدًا دون آخر، والتكيّف معها وتحجيم أضرارها لن ينجح عبر خطوات فردية، ولن يسلم بلدٌ يعتقد أن إجراءاته كفيلة لحمايته من مخاطر التغيّر المناخي من دون إجراءات مماثلة لجيرانه ومنطقته والعالم ككل"، منوّها إلى أنّ العواصف الرملية وشح المياه وارتفاع درجات الحرارة والتصحر مخاطر عابرة للحدود لن تُعالج إلا بتنسيق وتخطيط دولي مشترك يدمج الخطط الوطنيّة والإقليمية والدولية مع بعضها البعض.