الأنظار شاخصة في تونس إلى الهدنة الاجتماعية والتي ستستمر لثلاث سنوات كفرصة أمام الرئيس قيس سعيّد لتنفيذ خطته لإنقاذ الاقتصاد، فيما تعاني البلاد من أزمات حادة مذ ضرب سعيّد عصافير سياسية عدة بحجر واحد، بفرض إجراءات استثنائية منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتعديل موعد اجراء الانتخابات البرلمانية.
ودعم غالبية التونسيين الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي في 25 يوليو/تموز 2021 بينما اعتبرتها قوى تونسية اخرى إنقلابا على دستور 2014 وترسيخا لحكم فردي مطلق، الا أن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي بسبب التركيز على التجاذبات والانقسامات السياسية بات يهدد بانفجار اجتماعي لاسيما في ظل فقدان الكثير من المواد الاستهلاكية وارتفاع الأسعار.
هدنة اجتماعية
وسط هذه الأجواء الملبدة نسبيا، أبصرت النور هدنة اجتماعية ناتجة عن اتفاق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل.
وفي الاطار، اعتبر المحلل السياسي التونسي باسل ترجمان في حديث لـ"جسور" أن "برنامج الرئيس قيس سعيّد يسعى الى محاربة الفساد وإعادة ثقة العالم والمستثمرين بالاقتصاد التونسي."و "الاتفاق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل يؤكد نجاح الأطراف كافة في التوحد للتوصل الى حلول سريعة بإمكانها اخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية الراهنة."
واستطرد قائلا: "البلاد أمام منعطف مصيري، سيساهم بشكل إيجابي في حلحلة الأزمات، غير أن تونس أغرقت بأزمات اقتصادية وتعاني من سياسة حكومات متعاقبة أدت الى كوارث سياسية واجتماعية واقتصادية، وبالتالي مسار النهوض بالاقتصاد التونسي سيتطلب وقتا طويلا."
وأفاد بأن "اتحاد الشغل وقياداته مدركون لحقيقة التحديات، وأنه لا يمكن الاستمرار في التصعيد، في ظل الكمّ المخيف من المديونية التي تعاني منها البلاد، ولا بدّ من محاسبة من تورّطوا في فعل ذلك."
وعلى صعيد متصل، كانت وكالة الأنباء الرسمية ونقابيون أكدوا أن الحكومة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل توصلا إلى اتفاق حول زيادة رواتب القطاع العام 3.5 في المئة في السنوات الثلاث المقبلة في إطار محادثات بشأن إصلاحات اقتصادية أوسع تهدف إلى تأمين خطة إنقاذ مالي خارجية.
وأضافوا أن الاتفاق سيرفع رواتب موظفي الدولة بنسبة 3.5 في المئة سنويا بين 2023 و2025، وهي خطوة قد تخفف من حدة التوترات الاجتماعية والاقتصادية المتصاعدة
مساعدات خارجية
وتسعى الحكومة التونسية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لمساعدتها في تمويل ميزانيتها، وتريد تقديم إصلاحات تظهر للمانحين أنها تضع ماليتها العامة على مسار مستدام.
ويقول صندوق النقد الدولي إن الحكومة في حاجة إلى اتفاق رسمي بشأن الإصلاحات مع الاتحاد العام التونسي للشغل قبل أن يوافق على برنامج القرض، فيما شدد مانحون رئيسيون آخرون على عدم تقديم دعم للميزانية ما لم تدخل الحكومة في برنامج لصندوق النقد الدولي.
وفي السياق، أشار ترجمان الى أن الهدنة الاجتماعية والتي ستستمر لثلاث سنوات ستخلق أجواء إيجابية، وستفضي إلى رؤية مشتركة بهدف إعادة انطلاق الاقتصاد في البلاد، كما ستساهم في تعزيز موقف تونس ومفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي."
وتابع "لكن هذا الاتفاق ليس موجها لارضاء صندوق النقد فحسب بل هدفه الأساس تحقيق سلم اجتماعي بغية وضع البلاد على سكة الخلاص."
تعديلات جوهرية
وصدر في الجريدة الرسمية الخميس المرسوم الذي يدعو الناخبين للتصويت لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، على أن يصوّت التونسيون في الخارج أيام 15 و16 و17 من الشهر نفسه.
كما صدر مرسوم بتعديلات واسعة على القانون الانتخابي لعام 2014، ومن أبرز هذه التعديلات اعتماد طريقة الاقتراع على الأفراد بدل القوائم، والتصويت على دورتين، وإقرار مبدأ سحب الوكالة من النواب المنتخبين، وخفض عدد أعضاء مجلس نواب الشعب من 217 إلى 161، منهم 10 نواب عن التونسيين المقيمين بالخارج، وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية.
واعتبر ترجمان أن "هذه التعديلات جوهرية لأن تونس كانت الدولة الوحيدة في العالم التي يسمح قانونها الانتخابي للهاربين من العدالة أن يدخلوا الى المجلس النيابي، ناهيك عن أن القانون الانتخابي بات متناغما مع النظام الديمقراطي في أوروبا والولايات المتحدة حيث تعتمد طريقة الاقتراع على الأفراد بدل القوائم."