عاد الهدوء مجددًا إلى شوارع العراق مساء الثلاثاء، بعد أعمال عنف أسفرت عن سقوط العشرات من المتظاهرين، فيما يخيّم الترقّب على المشهد إزاء خطوات القوى السياسية لحلحلة الأزمة المستمرة في البلاد منذ 10 أشهر.
وكانت الأحداث توالت في العراق عقب إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، اعتزال العمل السياسي الاثنين، إذ أطلق أنصار التيار احتجاجات في الشوارع تحوّلت فيما بعد إلى اشتباكات مسلحة، أسفرت عن سقوط 30 شخصًا.
وسط هذه التوترات التي أدّت إلى أعمال عنف هي الأشد دموية في العاصمة بغداد منذ سنوات، طرح تلويح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بإعلان خلوّ منصبه "في الوقت المناسب"، العديد من علامات الاستفهام خصوصًا في هذا التوقيت وفي ظل ظروف عصيبة تعيشها البلاد.
لجنة تحقيق
وفي كلمة وجهّها إلى الشعب العراقي، قال الكاظمي، إن الأحداث التي شهدتها بغداد وأوقعت قتلى وجرحى "تحتم علينا حصر السلاح بيد الدولة"، ملوحًا بتقديم استقالته إذا تعقّدت الأمور.
وأعلن عن تشكيل لجنة تحقيق "لتحديد المسؤولين عن وضع السلاح بيد من فتحوا النار على المتظاهرين".
في هذا الإطار، رأى رئيس مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية، الدكتور عباس الجبوري، أنّ "تلويح الكاظمي بالاستقالة هو مجرّد ضغط على الكتل السياسية الأخرى، كي تسعى لتشكيل حكومة".
وأوضح الجبوري في اتصال مع "جسور"، أنه "في حال أصبحت استقالة الكاظمي نافذة سيضطر عندها رئيس الجمهورية إلى تكليف شخص آخر بتشكيل الحكومة، وهذا طريق صعب جدًا، ومستبعد في الوقت عينه أن يفعلها الكاظمي".
وأكد الجبوري، أنّ "الكتل السياسية الموجودة حاليًا تتحمّل جميعها مسؤولية خراب العراق من دون استثناء"، مضيفًا أنّ "جميع الكتل السياسية التي حكمت البلاد منذ العام 2003 لغاية الآن 90% منهم لصوص نهبوا كل ثروات البلاد وحوّلوها إلى أحزابهم وعشائرهم ومصالحهم".
وفي السياق، بيّن الجبوري أنّ "دعوة الكاظمي إلى الاستقالة هي بمثابة ذرّ الرماد في العيون للضغط على الكتل السياسية من أجل تشكيل حكومة، وبالتالي الخروج من النفق المظلم الذي يعيشه العراق".
من جهته، رجّح رئيس مركز آسيا للدراسات الاستراتيجية، الدكتور قاسم بلشان التميمي، أنّ تلويح الكاظمي بالاستقالة يأتي في سياق الضغط على الكتل والأحزاب السياسية وخصوصًا الإطار التنسيقي، لأنه كما يبدو قد استوعب درس ليلة الخضراء الدامية التي راح ضحيّتها العشرات، إضافة إلى مئات الجرحى، لذلك هو يعلم جيدًا أن أي تأخير في عدم إنهاء الإنسداد السياسي، ممكن أن يوصل البلاد إلى أمور لا تحمد عقباها.
وأشار التميمي، إلى أنّ الوضع العام في العراق غير مطمئن بسبب عدم استقرار السياسيين في اتخاذ موقف محدّد للخروج من الأزمة الحالية التي تتخبّط بها البلاد منذ أشهر.
عودة الإقتتال؟
رأي آخر عبّر عنه الكاتب والمحلل السياسي، علي البيدر، لافتا في تصريح لـ"جسور"، إلى أن استقالة رئيس الوزراء هي بمثابة الهروب والتهرّب من الأزمة وعدم قدرته على مواجهتها واحتوائها، وتداعيات استقالته في حال أصبحت نافذة خطيرة على الوضع العراقي كونها قد تكون بداية لانزلاقات ربّما ستؤدي إلى عودة الاقتتال وإلى استحواذ أطراف على السلطة أو حتى الانقلاب.
خبير يوضح
قانونًا، أوضح الخبير القانوني، علي التميمي، بشأن تلويح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بإعلان خلوّ منصبه.
وقال التميمي، في توضيح لـ"جسور": "المادة ٨١ أولا من الدستور قالت إنّ رئيس الجمهورية يقوم مقام رئيس مجلس الوزراء عند خلو المنصب لأي سبب كان، وتحدّثت الفقرة ثانيًا من هذه المادة عن انتخاب رئيس مجلس الوزراء الجديد وعن حكومة جديدة بوزرائها، وهذا لا يمكن أن يطبّق في حال تصريف الأمور اليومية، أي أن طلب الإعفاء المقدّم من رئيس مجلس الوزراء في حال تصريف الأمور اليومية لا يترتّب عليه إعفاء باقي الوزراء كما في طلب الإعفاء في حال الحكومة ذات الصلاحية الكاملة التي يطبّق عليها النص الوارد في المادة ٧٦ من الدستور العراقيّ، لأن حكومة تصريف الأمور اليومية وفق المادة ٦٤ ثانيا من الدستور مستقيلة أساسًا، وهي تواصل تصريف الأمور اليومية لحين تشكيل الحكومة الجديدة نتيجة لحل البرلمان، وبالتالي يقول التميمي، إنّ الذي يخرج في حال تقديم طلب الإعفاء من رئيس مجلس الوزراء هو فقط رئيس مجلس الوزراء نفسه، ولا يسري ذلك على الوزراء الآخرين لعدم وجود الرابطة الدستورية وفق الصلاحيات الكاملة.
وفي حال تقديم رئيس مجلس الوزراء الكاظمي طلب الإعفاء، يشرح التميمي، أن رئيس الجمهورية يحّل مكانه لتصريف الأمور اليومية لحين تشكيل الحكومة الجديدة، ويقدّم رئيس مجلس الوزراء طلب الإعفاء إلى رئيس الجمهورية وفق المادة ١٨ من نظام مجلس الوزراء ٢ لسنة ٢٠١٩، كما يستمر مجلس الوزراء في حال حصول ذلك برئاسة رئيس الجمهورية لحين تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك وفق المادة ٤٢ من نظام مجلس الوزراء أعلاه.
صراع القوتين
وتعدّ الاشتباكات التي بدأت الاثنين وتواصلت حتى الثلاثاء، أحدث حلقة من الصراع بين أكبر قوتين شيعيتين في الساحة العراقية، وهما التيار الصدري وتحالف قوى الإطار التنسيقي.
وانسحب أنصار التيار الصدري مساء الثلاثاء من المنطقة الخضراء في بغداد، بعدما أمهلهم زعيمهم 60 دقيقة لوقف كل الاحتجاجات، كما دعا الإطار التنسيقي أنصاره للانسحاب، بعد تحذيرات محلية ودولية من انزلاق العراق إلى "مزيد من العنف وإراقة الدماء"، ودعوات إلى الحوار لحل الأزمة السياسية، مطالبًا "بالإسراع في تشكيل حكومة خدمة وطنية تتولّى المهام الإصلاحية ومحاربة الفساد ونبذ المحاصصة وإعادة هيبة الدولة لينعم الجميع بالأمن والاستقرار بمشاركة واسعة من جميع القوى السياسية الراغبة بالمشاركة".