لا يُخفى على أحد الدور الكبير الذي لعبته الطائفة الانجيلية في لبنان منذ بدايات القرن التاسع عشر، حيث ترافق حضورها مع نهضة ثقافية واجتماعية انطلقت عبر مؤسساتها التربوية والإجتماعية والروحية أيضًا، ونفحت البلد برياح التغيير والحرية.
على الصعيد السياسي، قدمت الطائفة الانجيلية رجالات دولة طبعوا بصمتهم في تاريخ لبنان كما كان لقساوستها مواقف وطنية مميزة، وفي معلومات حصلت عليها “جسور” على سبيل المثال لا الحصر ما رُوي عن القس الدكتور فؤاد ملكي اهتمامه بالفقراء إبان الحرب اللبنانية وتعريض حياته للخطر لتأمين المساعدة لهم، كما نُقل عن القس ابراهيم داغر رفضه في سبعينيات القرن الماضي لأي سلاح خارج عن إطار الشرعية اللبنانية.
مفاجأة الترشّح
حين حجز الانجيليون مقعدًا لهم في مجلس النواب اللبناني منذ خمسينيات القرن الماضي توالت عليه شخصيات عديدة، آخرها القس ادغار طرابلسي، مؤسس رعيتين انجيليتين في لبنان.
دخل القس طرابلسي الندوة البرلمانية للمرة الأولى عام 2018 ليشكل ترشحه على لائحة الثنائي الشيعي أي حزب الله وحركة أمل في دورة العام 2022 المفاجأة الكبرى مع ما حصده من أصوات للناخبين الشيعة، مكّنته من تجاوز خطر الفشل في تمثيل طائفته، ما استدعى طرح علامات استفهام عديدة حول إصرار حزب الله على دعم مرشح إنجيلي وعدم اكتفائه بما عقده من تحالفات مع أحزاب ومرشحين من خارج الطائفة الشيعية من موارنة وروم أورثوذكس وروم ملكيين كاثوليك وسنة أيضًا.
فهل حان الوقت للتسلّل باتجاه الطائفة الإنجيلية للاستحواذ ربما على المجلس النيابي؟
فروقات شاسعة
مصدر مطلع في الكنيسة الانجيلية أكد في حديث لـ"جسور" أن "الانجيليين رواد فكر وحضارة، والانسجام الحاصل بين قس إنجيلي وحزب ينتمي عقائديًا إلى النظام الإيراني المختلف جذريًا عن الفكر الإنجيلي الحر، هو انحراف عن التوجه العام للطائفة".
وتابع مقارنًا بين النهجين، "الفكر الانجيلي فكر ليبرالي متحرّر يدعو لاحترام حقوق الانسان والانفتاح، وما ينتهجه النظام الايراني من قمع وترهيب خير دليل على ظلاميته وانتمائه لعصور انقرضت".
هيمنة إيرانيّة
وفي قراءة سياسيّة لترشيح القس طرابلسي يشير المصدر إلى أن "تطويق المقعد الإنجيلي عبر حزب الله له أبعاد سياسية تصل حدودها إلى إيران مرورًا بسوريا وبدعم روسي" وشرح قائلاً "في إطار سعي إيران للسيطرة على المنطقة، وكرد جميل لها لمساندة النظام السوري في حربه على الإرهاب، قدمت لها سوريا المقعد الانجيلي" موضحًا أن طوائف مسيحية عديدة كان لها المصير ذاته "نجح حزب البعث خلال أربعين عامًا في اختراق الكنيسة السريانية وكنيسة الروم الأورثوذكس والملكيين الكاثوليك في لبنان".
وأضاف "الفرصة باتت سانحة اليوم لاختراق الانجيليين بعد انتقال رئاسة المجمع الأعلى إلى القس جوزيف قصاب ذو الهويّة السوريّة، إثر رحيل سلفه اللبناني القس سليم صهيوني".
رفض للأداء
المصدر أبدى ملاحظات عدّة على أداء القس طرابلسي في المجلس النيابي وتحديدًا خلال جلسات انتخاب رئيس للجمهورية "قراره وضع ورقة بيضاء أسوة بنواب الثنائي الشيعي يدخل ضمن الخطة الايرانية الممنهجة لتدمير لبنان" معتبرًا أنه يساهم في "عملية ضغط على المجلس النيابي لتسليم الجمهورية اللبنانية لإيران والاتيان برئيس موال لنظامها" مضيفًا "هذا الأمر مرفوض من الطائفة الانجيلية وأدى إلى تململ كبير داخلها".
وردًا على سؤال حول عدم إعلان الطّائفة رفضها لسياسة ممثلها أجاب "تخاف الطائفة في لبنان من التكلّم لأن رئيس المجمع موجود في سوريا ويملك التأثير الأكبر على قراراتها".