في وقت لا يزال لبنان غارقًا في أزماته الإقتصادية والمالية والمعيشية الحادّة، مرّر البرلمان اللبناني الثلاثاء تعديلات طال انتظارها على قانون السرية المصرفية في أولى جلساته. ووقّع لبنان وصندوق النقد الدولي اتفاقًا على مستوى الخبراء في نيسان/ أبريل يتعلّق بتمويل بقيمة 3 مليارات دولار لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، لكن حزمة التمويل مشروطة بمتطلّبات مسبقة تشمل إصلاحات ماليّة. فهل انتهى دور السرية المصرفية؟ وما متطلبات صندوق النقد وهل من تبعات على تعديل نسخة القانون؟
تقول أستاذة القانون المتخصّصة في الشأن المصرفي سابين الكيك في حديث لـ"جسور" أنها لطالما كانت من دعاة الغاء السرية المصرفية "فهذا القانون أصبح باليا وقديمًا ولا يتوافق مع العصر الذي نعيشه اليوم والأهمّ أنه لا يتوافق مع الحالة والوضع الإقتصادي الذي نحن فيه".
جزء من المنظومة
وتوضح الكيك ان "السرية المصرفية كانت جزءًا من منظومة مالية ومصرفية لدور اقتصادي محدّد في لبنان انما هذا الدور انتهى منذ فترة والإبقاء على عناصره من دون أن يكون موجودًا ليس لديه أي معنى إطلاقًا." وتقول: "السرية المصرفية ليست هدفًا بحد ذاتها وليست عنصرا اقتصاديا للتمسّك فيه ووجودها يتكامل مع كامل الدور الإقتصادي الذي نريده في المرحلة المقبلة في لبنان ويبدأ بالإنقاذ وينتهي بالنمو، لذلك فإن مفهوم السرية المصرفية عليه أن يتناسب مع هذا الدور الإقتصادي وهذا مطلب صندوق النقد تحديدًا، أن يُصار الى تدقيق مالي بحسابات المصارف ومصرف لبنان وشركة الكهرباء وبالتالي حين يربط السرية المصرفية بهذا النوع من الإصلاحات يعني أنه يرى بأن قانون السرية المصرفية يعطل امكانية الرقابة والاصلاح الحقيقي للنظام المالي وتضيف: "تعديل السرية المصرفية له اهداف معيّنة وهذا الذي لم نره بالذي أُقر ّ بالأمس".
الإيجابيّات
وفيما خص التعديل الذي اقر أمس، توضح الكيك بأنه تمّ تعديل بعض مواد قانون السرية المصرفية وتعتبر أن الناحية الإيجابية للتعديل هو أنه يتيح الوصول الى وزارة المال والإدارات المعنية ومكافحة التهرب الضريبي في لبنان والتأكد من كامل التصريحات الضرائبيّة للمؤسسات والشركات والأفراد وغيرها، وتؤكّد الكيك أن هذا "لا يكفي ويلزمه العديد من المراسيم التطبيقيّة وتعاميم توضع موضع التنفيذ".
العملية التجميلية
وبما يتعلق بالمصارف والحسابات، تعتبر الكيك أنها "كذبة كبيرة لأن الذي حصل هو عملية تجميلية صغيرة للموجود أساسًا بمعنى أن في لبنان ان كان هناك عمليّة تبييض أموال فبالإمكان رفع السرية المصرفية أو في حالة مكافحة فساد أو إثراء غير مشروع وبالتالي لا شيء جديدا والصلاحية للقضاء أو هيئة التحقيق الخاصة وفي الحالتين أثبتت هذه النصوص أنها اما تتعطّل بالسياسة واما تتعثّر بسبب التمنُّع عن تسليم المعلومات وبالتالي لم يتغيّر شيئ"، وتختم: "السرية المصرفية لا زالت موجودة كما كانت وهذا ليس فقط لا يُرضي صندوق النقد إنما الأهم لا يرضينا نحن كلبنانيين الهادفين الى اصلاح النظام المالي".
"لا أوافق"
وكان نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي، مهندس خارطة طريق التعافي المالي في لبنان، قال إنه “لا يوافق” على نسخة القانون التي تم تمريرها الثلاثاء. وحاول الشامي التحدث عدة مرات خلال الجلسة لكن أصوات النواب العالية لم تسمح له بالحديث. وقال الشامي لرويترز إنه سيرسل القانون إلى صندوق النقد الدولي لتأكيد ما إذا كان يتماشى مع توقعاتهم.
ودعت الاتفاقية المبرمة مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء إلى اقرار قانون جديد “يتماشى مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد وإزالة العوائق أمام إعادة هيكلة القطاع المصرفي الفعال والإشراف عليه وإدارة الضرائب، فضلا عن الكشف عن الجرائم المالية والتحقيق فيها واسترداد الأصول”.