تتسارع بشكل مقلق وخطير، ظاهرة عمالة الأطفال في العراق لتصل إلى حد وصفته وزارة العمل بـ "الأسوأ" في تاريخ البلاد، وسط بقاء القوانين المكافحة لهذه المأساة شبه مشلولة بحسب خبراء، نتيجة ضعف عمل لجان الرقابة والظروف الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تسود البلاد، والتي ساهمت في ارتفاع أعداد الأطفال المنخرطين في سوق العمل بسن مبكرة.
ويواجه طفل واحد من كل طفلين (48.8٪)، بحسب منظمة العمل الدولية واليونيسف، أشكالا متعددة من الحرمان سواء في التعليم أو الصحة أو ظروف المعيشة، أو الأمن المالي، ومن البديهي أن يؤدي تعطيل الخدمات واعتماد آليات التكيف السلبية من قبل الأسر الفقيرة إلى زيادة الحرمان وعدم المساواة، خصوصا لدى الأطفال الأكثر ضعفا بما في ذلك المتضررين من النزاعات، والنازحين.
خطر داهم!
بداية، رأت الباحثة الاجتماعية، سمر نور الفيلي، أنّ الظروف الاقتصادية والأمنية والصراع السياسي والفساد المالي والإداري الذي يضرب بعض المؤسسات الحكومية والمحسوبية وغلاء المعيشة وعدم دعم الدولة للمواطنين وأصحاب الدخل المحدود امور ساهمت وبشكل كبير بانخراط الأطفال في سوق العمل من أجل الحصول على لقمة العيش وارتفاع عدد الأطفال الداخلين إلى السوق رغم المحاذير القانونية والإجتماعية والمخاطر التي يمكن أن تواجههم والأعمال الشاقة التي ينخرطون فيها وإمكانية استغلالهم من قبل عصابات ترويج المخدرات والمجموعات الإرهابية للقيام بأعمال تنافي قيم الطفولة.
وبيّنت الفيلي في حديث "لـ جسور"، أنّ "ارتفاع نسبة عمالة الأطفال في البلاد أمر طبيعي في ظلّ الظروف الحالية، مشيرة إلى أنّ ملف عمالة الأطفال يعدّ من الملفات التي تسجّل أرقاماً قياسية، عازية ذلك إلى ظروف البلد غير المستقرة، وعدم اتخاذ الحكومات أي إجراءات وخطوات علاجية للحدّ من تلك الأعداد.
وشدّدت الفيلي على ضرورة وضع حلول حكومية عاجلة، من خلال توفير فرص العمل وتوسيع دائرة منح الضمان الاجتماعي، واستقطاب الأطفال في دورات تأهيلية. وتابعت: "يعاني جميع الصغار العاملين من حالات نفسية صعبة ترتبط بشعورهم بأنهم أدنى مستوى من أقرانهم، وفي حال عدم احتضانهم، سيدفعهم الصراع النفسي الذي يعيشونه إلى الإنتقام من المجتمع في المستقبل كونهم في خطر داهم".
وتتهم الفيلي السياسات المدمرة التي تنتهجها المنظومة السياسية منذ سنوات بإضعاف الصناعة والزراعة المحلية والاستثمار إلى أدنى مستوى، ما ساهم في زيادة البطالة التي نشرت الفقر، وجعلت الناس يزجّون أطفالهم في سوق العمل".
قوانين شبه مشلولة
وبحسب الخبير القانوني، علي التميمي، تنصّ قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين "الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل"، أو حتى إيقاف النشاط. وفي قانون الاتجار بالبشر، يعاقَب من يستغل شخصا لا يعي حقه -كالأطفال- بالسجن أو الغرامة المالية.
أما دوليا، فيشرح التميمي في حديث لـ "جسور"، أنّ اتفاقية حقوق الطفل في المادة (32-1) تقول: "تعترف الدول الأطراف بحق الأطفال في حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجّح أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي".
ويضيف: "قانون العمل 37 لعام 2015 الأخير، منع تشغيل الأطفال دون سن الـ 15 عاما، وحصر السماح بتشغيل من هم بين 15 و18 وفق شروط ورقابة وفي مهن محددة". وقد حدّد القانون عقوبة على أصحاب العمل إذا تم خرق القانون، لكنه يرى أن هذه القوانين ولدت شبه مشلولة في الأصل ولا تُطبق. فعلى الرغم من القوانين، فإن آلاف الأطفال ما زالوا منتشرين في الأسواق والأحياء الصناعية وعلى مكبات النفايات، يعملون في أقسى الظروف التي لا تراعي أي قانون.
مؤشرات الظاهرة
وكانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق قدّرت في وقت سابق "نسبة عمالة الأطفال في العراق بـ 2 في المئة"، حيث يؤكد عضو المفوضية، علي البياتي، في هذا الإطار، أن عدد الأطفال العاملين في العراق يصل إلى أكثر 700 ألف طفل. وتشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة إلى أن نحو 90 في المئة من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، ورغم زيادة معدل التحاق الأطفال بالتعليم الابتدائي عند مستوى 92 في المئة، إلا أنّ إكمال المرحلة الإبتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54 في المئة.
وبحسب آخر إحصائيات لليونيسف، فإن ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عوائلهم. وتوضح المنظمة أن أطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل خمسة أطفال. وفي 10 أيار 2021، طالبت لجنة حقوق الإنسان السابقة في البرلمان العراقي بمنع عمالة الأطفال في العراق، كما طالبت الحكومة العراقية والبرلمان بإيقاف استغلال الأطفال في مهن شاقة، وذلك من خلال إصدار قرارات ملزمة بهذا الشأن.
والجدير ذكره ان العراق هو من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل. كما صادق العراق على اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الحد الأدنى لسن العمل ، 1973 (رقم 138)، واتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال، 1999 (رقم 182)، وهما ضروريان للقضاء على عمل الأطفال. علاوة على ذلك، كانت مشاركة العراق الأخيرة في مؤتمر ديربان مشجعة، حيث أظهرت اهتماما وطنيا قويا تجاه معالجة أسوأ أشكال عمل الأطفال.