"ستنتهي الحرب ويتصافح القادة، وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد، وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب، وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل. لا أعلم من باع الوطن، ولكنني رأيتُ من دفع الثمن" هذه المقولة لمحمود درويش تجسّد حال أهالي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 الذين يتقاسمون فواتير كارثة لا تزال محفورة في قلوبهم.
وبين الطائرتين اللتين حلّقتا نحو برجي «مركز التجارة العالمي» في نيويورك عام 2001 والطائرة التي أقلعت منسحبة من أفغانستان، بعد عشرين عامًا، ومن حولها تحلق البشر كموجات، ومنها تساقط بعدما حاولوا التمسّك عبثا بـ"رحلة الفارين" جملة حوادث غيرت مسار العالم، اذ أثرت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على مجالات عدة مثل السياسات الأمنية والسفر والحياة الثقافية، كما أدت إلى زيادة العنصرية والى مزيد من عدم الاستقرار والصراعات المذهبية في المنطقة.
حرب ضرورية؟
ورغم إنهاء واشنطن الحرب فعليًا، لا تزال النقاشات مستمرة حيال احتمال تجنّب حرب دامية استمرت عشرين عاما وغيرت معالم المنطقة.
وهنا اعتبر مدير برامج شمال افريقيا والمكتب الإقليمي د.ايلي أبو عون في حديث لـ"جسور" أنه "قبل عملية الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كانت أفغانستان بؤرة للحركات الإرهابية، والمسار الذي اعتمدته آنذاك كان يمهّد الى تطور دراماتيكي لا تحمد عقباه".
وتابع "السؤال هنا هل كان لا بد من معالجة ذلك من خلال الحرب الأميركية؟ أي بطريقة أخرى هل كانت الحرب ضرورية؟ إنه سؤال جدلي وأعتقد أن الخطأ الأكبر لم يكمن باعتماد خيار الحرب، لكن إدارة مرحلة ما بعد الحرب.
فالخطأ نفسه ارتكب في العراق وليبيا، وبالتالي هذا السيناريو المعتمد فشل لأنه قائم على ضرورة انشاء حكومة جديدة وانتخابات مبكّرة وصياغة دستور جديد، لحل أي خلاف سياسي عند حدوث أي تغيير سياسي بارز في نظام هذه البلاد".
من يتحمّل المسؤوليّة؟
واستطرد قائلا "لكن الولايات المتحدة لا تتحمّل وحدها مسؤولية فشل هذا السيناريو، اذ أن المجتمع الدولي شارك واشنطن السياسة المعتمدة في كل من أفغانستان والعراق وليبيا".
وبحسب أبو عون فإن فشل هذا السيناريو "يعود لغياب كامل للتفاهم على أسس جوهريّة في البلاد تتعلّق بالرغبة بالعيش المشترك مثلا، وعلى سبيل المثال أفغانستان تعاني من غياب أي تفاهم بين الأحزاب كافة حيال نوع وشكل النظام المعتمد".
سياسة احتواء
وصدّرت الولايات المتحدة، عبر أربعة رؤساء: جورج بوش الابن، باراك أوباما، دونالد ترمب، وجو بايدن، استراتيجيات وأدوات مختلفة في التعامل مع الإرهاب، منذ 11 سبتمبر 2001، ولكل منهم له بصمته الخاصة.
الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن اعتمد فلسفة الانسحاب الكامل والنهائي لقواته المسلّحة، من أفغانستان بعدما صارت الفواتير باهظة التكاليف، فحجم الخسائر خلال العقدين الماضيين، ومنذ حوادث 11 سبتمبر/أيلول بلغ نحو 4 تريليونات دولار، لم يعد الاقتصاد الأميركي يحتمل المزيد.
اذ اتخذ بايدن قراره واستكمل مواجهته، فأمر بتصفية زعيم تنظيم «داعش» شمال سوريا، ماهر العقال، ثم أمر بقتل أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة»، أثناء أحداث 11 سبتمبر.
وفي السياق يعتقد أبو عون أن "الادراة الأميركية الحالية لا تريد التورط عسكريًا في أفغانستان، وهذا القرار ينسحب على الجو العام في واشنطن بغية تجنّب أي عملية عسكرية وادراة الملف الأفغاني عن بعد من خلال الحلفاء بهدف احتواء أفغانسان وليس فقط وضع حد للمشاكل هناك."
وأضاف "بعد الانسحاب الأميركي عام 2021، الوضع في البلاد يتّجه إلى مزيد من الفوضى، اذ أن كابول تعاني من انقسام سياسي داخلي فحركة طالبان تشهد انقسامات عدة من جهة، وثمة انقسامات بين الحركة ومجموعات أخرى.
ونظرًا لهذا التفكك، فإن أعين الدول الإقليمية والدولية تتجه الى أفغانستان بغية استغلال عدم استقرار الوضع في البلاد، وتبني الأطراف المتنازع عليها".
وفنّد أبو عون هذا السيناريو مشيرًا الى أن لإيران مصالح شتى في أفغانستان ويبدو أن طهران تسعى للحفاظ على نفوذها هناك. ناهيك عن التنافس الاستيراتيجي بين موسكو وواشنطن في أفغانستان، إضافة الى أن الصين تسفيد كثيرًا من السوق الأفغاني"
غياب زعيم "القاعدة"
ودخلت ذكرى هجمات الـ11 من سبتمبر/ أيلول هذا العام لأول مرة من دون وجود زعيم تنظيم "القاعدة"، أيمن الظواهري الذي قتل بعملية أمريكية أعلن عنها الرئيس الأمريكي، جو بايدن في أغسطس/اب الماضي.
من جهته، رأى رئيس التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية توم حرب في حديث لـ"جسور" أن الولايات المتحدة استطاعت محاربة الإرهاب خلال الحرب في أفغانستان، وكنا نتمنى لو بقيت في أفغانستان مراكز عسكرية أميركية، لكنّ الحرب التي استمرت طويلا أدت إلى صرف أموال هائلة، وبالتالي الشعب الأميركي طالب بسحب الجيش من أفغانستان كون المهمة انتهت، ناهيك عن أن واشنطن عولت على كابول بعد انسحابها لبناء مستقبل البلاد، غير أن أفغانستان فشلت ولم تستطع توقيف المجموعات الإرهابية".
وأضاف "أهالي ضحايا الحادي عشر من سبتمبر(أيلول) يحاولون محاكمة كل من ساهم بهجمات عام 2001، وقد كسبوا دعاوى عدة لكن لا يزال مسار التوصل الى العدالة في هذا القضية يتطلب مزيدًا من الوقت".
هجمات 11 سبتمبر
ووقعت الهجمات بعد اختطاف 19 رجلا أربع طائرات تجارية أمريكية محمّلة بالوقود متّجهة إلى وجهات في الساحل الغربي. دبر الهجمات أسامة بن لادن زعيم القاعدة حينها.
وقتل في موقع مركز التجارة العالمي في مانهاتن نيويورك، 2753 شخصًا نتيجة تحطم رحلة الخطوط الجوية الأمريكية المختطفة 11 وطائرة يونايتد إيرلاينز 175 عن عمد في البرجين الشمالي والجنوبي، من بين أولئك الذين لقوا حتفهم خلال الهجمات الأولية والانهيارات اللاحقة للأبراج، كان 343 من رجال الإطفاء، و23 من ضباط الشرطة و37 من ضباط هيئة الميناء.
وتراوحت أعمار الضحايا بين سنتين و85 عامًا، وما يقرب من 75-80٪ من الضحايا كانوا من الرجال.
وفي البنتاغون في واشنطن، لقي 184 شخصًا مصرعهم عندما تحطمت طائرة الرحلة 77 للخطوط الجوية الأمريكية المخطوفة في المبنى، وبالقرب من شانكسفيل بولاية بنسلفانيا، لقي 40 راكبًا وأفراد طاقم الرحلة رقم 93 لشركة يونايتد إيرلاينز مصرعهم عندما تحطمت الطائرة في أحد الحقول. ويعتقد أن الخاطفين حطموا الطائرة في ذلك الموقع بدلا من هدفهم المجهول بعدما حاول الركاب وطاقم الطائرة استعادة السيطرة على الطائرة.