يواجه الصومال اليوم واحدة من أسوأ موجات الجفاف منذ 4 عقود، ما استدعى دقّ ناقوس الخطر داخليًا ودوليًا لبذل الجهود في سبيل التخفيف من وطأتها قدر الإمكان.
وضرب الجفاف 90 بالمئة من مساحة الصومال وأثّر على نصف السكان، حيث ما يقرب من مليون شخص أجبروا على مغادرة منازلهم ونزحوا من البلدات والمدن الكبرى، بحثًا عن الطعام والماء والمساعدات الإنسانية.
من بين هذه البلدات، "دولو"، وهي بلدة حدودية في منطقة "جيدو" جنوب غرب الصومال.
خلال موجة الجفاف التي عرفها الصومال عام 2011، استضافت "دولو" آلاف العائلات النازحة هربًا من الجفاف، والآن، تستقبل البلدة يوميًا مئات النازحين المتضرّرين من الجفاف.
بعض هؤلاء النازحين يقطعون للوصول إلى "دولو" مسافة 300 كلم سيرًا على الأقدام، أو يركبون الحمير إن توفّرت.
لا مساعدات إنسانيّة
و"فرحيو أحمد"، هي نازحة غادرت مع أطفالها السبعة بلدة "أوفور"، ليصلوا إلى مخيم داخليّ للنازحين في دولو، بعد رحلة استغرقت 18 يومًا.
وقالت لـ"الأناضول"، "الجفاف دمّر بلدتنا، ومزارعنا الصغيرة، وماشيتنا.. جئت إلى هنا لأننا فقدنا كلّ ما لدينا ولم أجد طريقة أخرى لإطعام أطفالي، إلا أنّ الوصول إلى هنا لم يكن أمرًأ سهلا".
وأوضحت أنها لم تتلقّ أية مساعدة إنسانية منذ وصولها قبل سبعة أيام.
وتحدثت عن معاناة النازحين الواصلين إلى المخيم بالقول، إن "سكان المخيم يجدون أنفسهم في وضع صعب للغاية بدون طعام أو ماء، ناهيك عن الحصول على التعليم".
بينما "موهيبو علي هيلول"، وعمرها 57 عامًا، أمّ لـ9 أطفال، لجأت هي الأخرى إلى مخيّم النازحين في "دولو"، وأخبرت الأناضول أنها لم تشهد جفافًا بهذا السوء طوال حياتها، وأعربت عن قلقها الشديد لأن أطفالها يعانون الجوع.
وقالت: "باعتباري إنسانة بالغة، أستطيع التأقلم مع الوضع دون تناول الطعام والاستعاضة عنه بشرب الكثير من الماء، إلا أن الأطفال يتضوّرون جوعا. لم يأكلوا منذ يومين على الأقل".
أما "سارورو بشار عبدي"، هي أيضًا وافدة جديدة إلى المخيم، قدمت من بلدة "راهولي" في منطقة "باي"، قالت إنها سارت لمدة أسبوع للوصول إلى المخيم مع أطفالها العشرة.
وأضافت: "نفقت كلّ ماشيتي بسبب الجفاف، كانت وسيلتنا الوحيدة للبقاء على قيد الحياة وإطعام أطفالي.. عندما نفقت الماشية، ولم أتمكن من الحصول على وظيفة، قررت المجيء إلى هنا للحصول على حياة أفضل".
أسوأ جفاف
مؤخرًا، زار مخيم "دولو" المبعوث الرئاسي الصوماليّ الخاصّ للاستجابة للجفاف والقضايا الإنسانية، عبد الرحمن عبد الشكور، ومنسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية للصومال، آدم عبد المولى.
ولدى معاينتهما الأوضاع المزرية في المخيم، دق الجانبان ناقوس الخطر، وأكدا أن "هذا هو أسوأ جفاف في ذاكرة الصومال الحديثة".
وفي حديث للأناضول من مخيم للنازحين في دولو، قال عبد الشكور: "يجب على الصومال والمجتمع الدولي العمل معًا لتجنّب المجاعة، ومساعدة العائلات المتضررة من الجفاف".
ودعا إلى "تدخل إنسانيّ عاجل" لافتًا إلى أنه زار العديد من البلدان لتفقد تأثير الجفاف على الناس.
وأشار إلى أن ما شاهده في مخيمات النازحين في دولو يمثل "أزمة إنسانية في أسوأ حالاتها، وقد حان الوقت للتحرك لتجنب المجاعة".
وفي السياق نفسه، أكد عبد المولى، أن "الصومال تشهد أسوأ موجة جفاف في الذاكرة الحديثة.. الأشخاص الذين وصلوا هنا مؤخراً يعيشون دون مساعدة إنسانية".
سوء تغذية
وقال عبد المولى، "8 مناطق في الصومال تواجه الآن ظروفًا شبيهة بالمجاعة.. 366 ألف شخص في البلاد سيموتون بحلول سبتمبر/أيلول، إذا لم تتمّ زيادة المساعدات الإنسانية في أقرب وقت ممكن".
وأشار إلى أن 7.1 ملايين صومالي (ما يقرب من نصف سكان البلاد)، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأن 1.5 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد.
وقال رئيس البعثة وممثل منظمة الصحة العالمية في الصومال، مأمونور رحمن مالك، للأناضول، إن "العواقب الصحية للجفاف تسبب آلاما ومعاناة مقلقة للمتضررين".
وأضاف: "إذا لم نعطِ الأولوية للصحة من حيث توسيع الوصول إلى الرعاية الصحية الطارئة، وتقديم الدعم المنقذ للحياة، فسموت الناس في نهاية المطاف من الأمراض".
وأكد مالك أن "الجفاف والوضع الشبيه بالمجاعة في الصومال يحمل في طيّاته دائمًا الموت والأمراض الخطيرة الناجمة عن الجوع وسوء التغذية".
وآخر أزمة مجاعة شهدتها الصومال كانت عام 2011، وقد تسبّبت بوفاة 260 ألف صومالي.
وتحذّر الهيئات من تكرار هذا السيناريو نتيجة نقص التمويل الذي يفاقم الأزمة في ظلّ نقص المساعدات الإنسانية.