أثار قرار موسكو سحب القوات الروسية من الضفة الغربية لنهر دنيبر في خيرسون علامات استفهام عدة خصوصا أن للمدينة أهمية كبرى، فهي واحدة من المناطق الأربع في أوكرانيا التي طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضمها إلى موسكو قبل ستة أسابيع، أضف الى ذلك دورها الاستراتيجي البارز كونها الشريان البري الوحيد الى شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014.
وفيما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن قواته تتحرك بحذر شديد من أجل تحرير خيرسون وأراضي أوكرانيا كاملة، ربط الرئيس الأميركي جو بايدن القرار الروسي بنتائج انتخابات التجديد النصفي الأميركية، واصفا الانسحاب الروسي من خيرسون "بالمذل".
خطة تكتيكية
ويُعد الانسحاب الروسي من خيرسون الثالث من نوعه للقوات الروسية؛ الأول كان من العاصمة الأوكرانية كييف، والثاني كان من خاركييف.
وفي السياق، اعتبر الاستاذ المساعد في معهد العلاقات الدولية عمرو الديب في حديث لـ"جسور" أن "الانسحاب الروسي يعد مسألة تكتيكية لأن عملية إعادة تموضع القوات العسكرية أمر طبيعي تمهيداً لمرحلة جديدة للدفاع عن خيرسون."
ولا يستعبد الديب أن تكون الخطوة الروسية حصلت بمعزل عن شيء ما تحضر له موسكو في المرحلة المقبلة، موضحا "لا يعقل أن تقوم روسيا بالانسحاب من أراض ضمتها إليها، فموسكو تسعى الى رص صفوفها وضمان الدعم اللوجستي للقوات المتواجدة في خيرسون."
من جهته، أشار المحلل السياسي رامي القليوبي في حديث لـ"جسور" الى أن "الانسحاب الروسي كان ضروريا بغية انقاذ نحو ألف عسكري روسي ونقلهم الى المواقع الدفاعية، ولكن قد يكون سبب الانسحاب اتفاقا روسيا – أمركيا يطبخ على نار حامية وراء الكواليس".
وأضح أن "الروس يحضّرون فعلا منذ مدة لإخلاء المنطقة، إذ نقلوا بالفعل معداتهم الثقيلة، ثم دمّروا تدريجيا كل ما لم يتمكنوا من حمله من جسور وغيرها، قبل أن يجلوا سكان المنطقة."
تراجع روسي؟
وتذهب قراءات أخرى إلى أن الخطوة الروسية بالانسحاب من خيرسون ترتبط بشكل أساسي بهزيمة الجيش الروسي في حربه على أوكرانيا، وأن الانسحاب يعكس من جهة التفوق العسكري الأوكراني على روسيا خصوصا بعد هجوم خاركييف المفاجئ خلال الصيف، ومن جهة أخرى انخفاض معنويات الجنود الروس الذين يرى الكثير منهم أنهم تمت التضحية بهم، وبالتالي لا يريدون القتال.
وبناء على اقتراح قائد العمليات الجنرال سيرغي سوروفيكين، أمر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بانسحاب القوات من الضفة الغربية لنهر دنيبر، لإنشاء خط دفاع على الضفة الشرقية للنهر الذي يشكّل حاجزاً طبيعياً.
وكان سوروفيكين أبلغ شويغو بأنه لم يعد من الممكن توصيل الإمدادات إلى مدينة خيرسون، واقترح إقامة خطوط دفاعية على الضفة الشرقية لنهر دنيبر الذي يشطر أوكرانيا.
وأعلن قائد الجيش الأوكراني فاليري زالوجني مواصلة الهجوم واستعادة 12 بلدة خلال 24 ساعة، موضحا أن "قوات الدفاع تقدّمت بما يزيد على 260 كيلومترا مربّعا". وفي كلمة ذكر خلالها خيرسون مرة واحدة فقط، أكد زيلينسكي أن قواته تعزز مواقعها خطوة بخطوة في الجنوب، وحذّر من أن "العدو لن يقدّم لنا أي هدايا، ونحن نفوز بكل شيء، لذا نحن نمضي قُدما بحذر شديد، من دون عواطف أو مخاطر لا داعي لها"، واصفا الخطوة الروسية بأنها انتصار كبير.