بعد أكثر من شهر على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي وقت أعلنت فيه الأخيرة أنها تبذل أقصى جهدها من أجل الحفاظ على ماريوبول، وأنها تمكنت من السيطرة على الأرض قرب كييف، التقى الوفدان الروسي والأوكراني في إسطنبول، في جولة جديدة من المفاوضات التي استمرت نحو أربع ساعات.
وعقب الجولة، كشفت روسيا أن مقترحات أوكرانيا تتركز على الضمانات الأمنية، لكنها "لا تنطبق على القرم ودونباس"، مشيرة إلى أن "أوكرانيا اقترحت أن تكون دولة حيادية غير نووية خارج أي تحالفات".
ولفتت إلى أن "أوكرانيا تعهدت بعدم الانضمام إلى أي تحالفات عسكرية أو نشر قوات أجنبية على أراضيها، وتعهدت أيضاً بالحصول على موافقة روسيا مسبقة لاستضافة أي قوات أجنبية".
كما أعلنت روسيا عن عدم معارضتها انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. وأضافت أن أوكرانيا طلبت صياغة الاتفاق النهائي خلال قمة تجمع الرئيسين فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي.
ودعا وفد التفاوض الروسي كييف إلى معاقبة من ارتكب جرائم تعذيب بحق الأسرى الروس، مشيرا إلى أن "محادثات اليوم مع أوكرانيا كانت بناءة".
من جهته، قال وفد التفاوض الأوكراني "سنوافق على وضع الحياد بشرط وجود ضمانات أمنية"، مشيرا إلى أن إسرائيل وتركيا وبولندا وكندا قد تكون من الدول الضامنة.
وأكد رئيس وفد التفاوض الأوكراني، يخائيلو بودولياك، أن المحادثات مع الجانب الروسي ستتواصل خلال الفترة المقبلة.
شروط واضحة
لكن رغم أن المفاوضات بين الطرفين تبدو بناءة، وقد تكتمل بلقاء مرتقب بين الرئيسين بوتين وزيلينسكي، إلّا أن مدير المركز المصري الروسي للدراسات، أشرف كمال، لا يتوقع في حديث مع "جسور" من هذه المفاوضات أن تؤدي إلى نتائج إيجابية قادرة أن توقف القتال، وذلك لأن "الشروط الروسية واضحة، وموسكو لم تتراجع عنها بالرغم من مرور أكثر من شهر على الحرب، ونجاح المفاوضات مرتبط بمدى تمسكها بهذه الشروط"، بحسب قوله.
وسأل، "هل توافق أوكرانيا على الإعتراف بشبه جزيرة القرم كأرض روسية؟ وهل تقبل بتغيير دستورها ونظامها السياسي للإعتراف بإستقلالية إقليمي دونيتسك دونباس؟".
وتابع، "أعتقد أن أوكرانيا لن تقبل بشروط روسيا والأخيرة لن تتراجع عن شروطها، وفرص نجاح المفاوضات في تركيا أو أي دولة أخرى ضعيفة جدا، خصوصاً وان أوكرانيا بدعم من أميركا، تحاول إطالة هذه الحرب آملة في أن تنجح بإرهاق الاقتصاد الروسي".
كما أكد كمال أن "ماريوبول باتت بنسبة 70 إلى 80% تحت سيطرة القوات الروسية، والأزمة فيها طالت لأنها شهدت حرب مدن، وقام المقاتلون الأوكرانيون بالإحتماء فيها واتخاذ المدنيين دروع بشرية".
في سياق آخر، أشار إلى أن "تركيا لديها مهنية رفيعة المستوى في اللعب على المتناقضات الإقليمية والدولية، وإضافة إلى أنها عضو في حلف شمال الأطلسي ومن الدول الممثلة له، لديها علاقات قوية ومتوازنة مع الدولتين المتخاصمتين، وهذا ما يفسر موافقة كل من روسيا وأوكرانيا على أن تكون تركيا وسيطا بينهما".
مخاوف مشروعة
ولفت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، لدى استقباله الوفدين الروسي والأوكراني الثلاثاء في اسطنبول، إلى أن "المفاوضات دخلت مرحلة تحقيق نتائج حاسمة، ولدى روسيا وأوكرانيا مخاوف مشروعة"، داعياً إلى "وضع حد لهذه المأساة".
وأضاف أردوغان، أن "الوسيط التركي سيوفر لطرفي التفاوض كل الأسباب لإنجاح جهودهما"، لافتا إلى أن تركيا قامت بـ"جهود صادقة" على كل الصعد لوقف هذا التصعيد الذي دخل أسبوعه الخامس.
من جهته، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا حققت بعض التقارب، لكن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قال إن بلاده حققت كل أهداف المرحلة الأولى مما تسميه العملية العسكرية الخاصة داخل أوكرانيا.
عملية سيبرانية
عسكريّاً، ذكرت قوات موالية للجيش الأوكراني تطلق على نفسها اسم كتيبة القرم الإسلامية، أنها استعادت السيطرة على قرية موتيجين غرب كييف.
وقال عمدة مدينة إربين ألكسندر ماركوشين إن الجيش الأوكراني استعاد السيطرة على المدينة الواقعة شمال غربي العاصمة، لكنه توقع تجدد هجمات الجيش الروسي عليها.
واتهمت هيئة الأركان الأوكرانية الجيش الروسي بتعمد استهداف مستودعات الغذاء والوقود والأحياء السكنية.
وأشارت وزارة الدفاع الأميركية إلى أن الروس لم يكونوا مستعدين ولا قادرين على السيطرة على كييف، مضيفة "لم نر ما يؤكد أن وحدات من الجيش الروسي بدأت تنسحب من جبهات القتال حول كييف".
في المقلب الآخر، اتهمت الخارجية الروسية الدول الغربية بشن عملية سيبرانية واسعة عليها، مؤكدة أن هذا "العدوان" سيؤدي إلى عواقب وخيمة.
نقاط رئيسية
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكد الأحد في مقابلة عبر الإنترنت مع وسائل إعلام روسية نقلتها قناة الإدارة الرئاسية الأوكرانية على "تلغرام" أن من النقاط الرئيسية في المفاوضات "الضمانات الأمنية والحياد والوضع الخالي من الأسلحة النووية لدولتنا".
وتابع أن "هذا البند في المفاوضات يمكن فهمه برأيي وهو قيد النقاش، يتم درسه بعمق"، لكنه أكد في المقابل أنه يجب طرح المسألة في استفتاء وأن بلاده في حاجة إلى ضمانات، متهما بوتين ودائرته المقرّبة بـ"المماطلة".
لكن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف قلل من نبرة التفاؤل قائلا إن المفاوضات حتى الآن لم تسفر عن "تقدم كبير".
وأوضح وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا في وقت لاحق على موقع وزارته على الإنترنت أن زيلينسكي "أعطى تعليمات واضحة جدا لوفدنا. نحن لا نتاجر بالأشخاص ولا بالأراضي ولا بالسيادة".
وأشار إلى أن الحد الأدنى من أهداف المحادثات في تركيا هو حل المشكلات الانسانية والأقصى هو التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن لقاءً بين الرئيسين الروسي والأوكراني، الذي دعا إليه الأخير، سيأتي في الوقت الراهن "بنتائج عكسية".
وأجبر الصراع حتى الآن حوالى 3,9 ملايين أوكراني على الفرار من بلادهم، بحسب الأمم المتحدة التي تسعى إلى تحقيق "وقف إطلاق نار إنساني".