لم يكن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يعتقد للحظة أن خرق قيود جائحة كوفيد في يونيو/حزيران 2020 قد يضع مصيره السياسي على المحك.
فجونسون نجا من تصويت لسحب الثقة داخل حزب المحافظين الحاكم، وذلك بعدما أطلق 54 نائبا من الحزب هذا الإجراء في أعقاب ما يعرف بـ"بارتي غيت" (Partygate) أو فضيحة الحفلات، وصوت 211 نائبا محافظا مع بقاء جونسون في منصبه، في مقابل رفض 148.
انقسام "المحافظين"
التصويت على حجب الثقة تزامن مع خلافات بين أعضاء حزب المحافظين الحاكم حيال مخالفة جونسون لتدابير محاربة جائحة كورونا بحضوره حفلات داخل مقر الحكومة، وانقسامات بشأن السياسة الاقتصادية وأسلوبه في قيادة الحكومة.
في السياق، أشار الصحافي البريطاني-اللبناني المختص بالشأن البريطاني والمقيم في بريطانيا محمد شبارو في حديث لـ"جسور" الى أن "بارتي غيت" " أثرت على الوضع الداخلي لحزب المحافظين وأدت الى زيادة الانقسام داخل الحزب، الذي بدأ منذ أن نفذت حكومة جونسون اتفاقية بريكست ولم تبادر الى اقامة أي حوار وطني لمعالجة الأزمة بطريقة مختلفة، وصولا الى جائحة كورونا التي ألقت بثقلها على الأزمة الاقتصادية الحادة ولاسيما ارتفاع نسبة البطالة والغلاء المعيشي، فقضية "بارتي غايت" التي زادت الطين بلّة بعدما كذب رئيس مجلس الوزراء على البريطانيين وضلل البرلمان والرأي العام محاولاً إقناعهما بأنه لم يخرق اجراءات كورونا عام ٢٠٢٠، ناهيك عن عدم قبول حكومة جونسون بالمحاسبة وعدم التزامها بالمعايير والتدابير القانونية".
ويواجه جونسون انتقادات لاذعة داخل حزبه (حزب المحافظين) في الفترة الأخيرة، إذ قال جيسي نورمان، الذي شغل منصب وزير دولة في وزارة المالية بين 2019 و2021، قبل التصويت، إن بقاء رئيس الوزراء في السلطة "أهانة للناخبين والحزب".
في المقابل، عبر الأعضاء البارزون في مجلس الوزراء عن دعمهم لجونسون، وسلطوا الضوء على ما قالوا إنه نجاحات الحكومة في مجال سرعة طرح لقاح "كوفيد-19″، ورد بريطانيا على الحرب الروسية في أوكرانيا.
مصير سياسي مجهول؟
الأكيد أن فوز جونسون بثقة الحزب من جديد لا يعني أبدا أنه ضمن البقاء على رأس الحكومة إلى حين الانتخابات المتوقع تنظيمها سنة 2024، لكن تجاوزه تصويت سحب الثقة يمنحه حصانة لمدة سنة، لا يمكن فيها إجراء أي تصويت جديد.
اضافة الى أنه بات يواجه صعوبات حقيقية في التنقل في الفضاء العام، بعد أن رافقته صافرات الاستهجان خلال حضوره احتفالات اليوبيل البلاتيني للملكة إليزابيث الثانية.
وعن مصير جونسون السياسي، اعتبر شبارو أن "جونسون لم يعد الحصان الرابح لدى حزب المحافظين الذي لم يعد يعول على جونسون للفوز بالانتخابات الفرعية المقبلة ."وأضاف "انتهى مسار جونسون السياسي ، رغم بقائه على رأس الحكومة، لان الشعب لم يعد يثق به.
فوز جونسون هو بمثابة خسارة لأن حكومته لن تلتف حولها الأطراف السياسية الأخرى ولن تحظى بقبول شعبي".
على صعيد متصل، لا تزال رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي تنظر إلى جونسون على أنه أحد أسباب إسقاطها من رئاسة الحكومة.
ولا تخفي ماي معارضتها لجونسون وامتعاضها من طريقة تدبيره ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وبحسب العديد من التقارير الصحفية فإنها هي من يتحرك في الخفاء للحشد من أجل إسقاطه من قيادة الحزب، وبالتالي من رئاسة الوزراء.
وهنا، أشار شبارو الى أزمتين في بريطانيا: أزمة حزب المحافظين لايجاد شخصية مناسبة كي تكون البديل عن جونسون، وأزمة على نطاق أوسع تكمن في ايجاد بديل عن رئيس مجلس الوزراء في انتخابات ٢٠٢٤، لأنه من غير المتوقع ان يقع الاختيار على شخصية من بين رؤساء الحكومات السابقين.
رفع شعبية "المحافظين"
وفي خلال الجلسة التي عقدها بوريس جونسون مع نواب من حزبه قبل بداية التصويت على سحب الثقة منه، وعدهم بالإعلان عن مخطط ضخم للتنمية الاقتصادية في الأسبوع المقبل، وكذلك وعد بإجراءات جديدة لمساعدة الراغبين في اقتناء منازل.
ويعرف جونسون أن أي تحفيزات اقتصادية تساعد المواطنين على تجاوز هذا الظرف الصعب سيكون لها وقعها في الرفع من شعبية الحزب، وربما تغير المزاج الشعبي الذي لم يتجاوز فضائح تنظيم الحفلات في مقرّ الحكومة.
في الاطار، لفت شبارو الى أن"لطالما اطلق جونسون الكثير من الوعود وبقيت حبرا على ورق، لكن هناك علامات استفهام حيال حل أزمة بريكست، وتنمية المناطق المهمشة تاريخيا في بريطانيا حيث حاز جونسون على نسبة مرتفعة من الأصوات خلال الانتخابات الماضية.
ويحاول جونسون تقديم خطط إنقاذية متعلقة بالوضع الاقتصادي من خلال إيجاد فرص عمل عبر مشاريع حكومية خاصة شمال البلاد، ونقل الادارات الحكومية الى مناطق خارج العاصمة، والتقليص من الاقتطاع الضريبي بالنسبة إلى الطبقة المتوسطة،غير أن البريطانيين كشفوا خطة جونسون ولن يثقوا بعد اليوم بوعوده الرنانة لأنهم تأكدوا أن أقواله بعيدة كل البعد من الحقيقة".
أول رئيس يخرق القانون
وكان عزل جونسون من منصبه يتطلب تصويت غالبية نواب الحزب ضده، أي 180 على الأقل منهم، وتعني نتيجة فوز الرئيس جونسون أنه حصل على دعم 59% من نواب حزبه، وهو أقل من الدعم الذي مُنح لرئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي في تصويت على الثقة واجهته في العام 2018.
هذا وقاوم جونسون على مدى أشهر الدعوات لاستقالته بعدما بات على إثر الفضيحة التي تعرف بـ"بارتي غيت"، أول رئيس للوزراء بريطاني يخرق القانون وهو في منصبه.
وفي كتاب أرسله إلى نوابه، دافع جونسون عن الإنجازات التي حققها خلال ولايته، بما فيها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومحاربة جائحة كوفيد ودعم أوكرانيا.
وكان كتب قبل لقاء نواب حزب المحافظين والتصويت "الليلة لدينا فرصة لإنهاء أسابيع من التكهنات الإعلامية ودفع هذا البلد إلى الأمام، الآن، كحزب موحد".