في موعدها الأسبوعي كل أربعاء، استضافت منصة "جسور" على مساحة space التابعة لمنصة تويتر، المستشار القانوني وعضو الوحدة الاستراتيجية الذكية في المنتدى الاقتصادي العالمي الدكتور محي الدين الشحيمي والأستاذ في التاريخ والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور عماد مراد بالإضافة إلى رئيس الاستشارية للدراسات الدكتور عماد رزق في حلقة حوارية تحت عنوان "روسيا وأوكرانيا: مفاوضات تحت الرصاص".
وفي مداخلة عبر "جسور" أوضح د. محي الدين الشحيمي أن النزاع عسكري بين روسيا وأوكرانيا ليس ثنائياً، بل هو صراع دولي وأممي سيكون مدخلاً لتكوين نظام عالمي جديد بمنطق القطبيات الإقليمية والتحالفات الباردة وهو صراع سوف ينتج عنه نفوذ مغاير و مناطق نفوذ جديدة وبمعنى أدق إنه مشروع هندسي جديد للعالم، على حد تعبيره.
وأضاف الشحيمي أن الحرب الروسية - الأوكرانية وحّدت أوروبا من جديد، وأطفأت الخلافات بين دول الاتحاد على الأولويات وخصوصا في الصراع بين الجيش الأوروبي والناتو، في ظل الامتعاض الأوروبي من الناتو وخصوصا من قبل فرنسا وهو ما لم تستسغه أميركا.
صدمة في أوروبا
لكنه أكد أن العالم أمام مرحلة انتقالية صعبة وخطيرة، فبالأصل لقد أدى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى زعزعة الاستقرار في أوكرانيا، إذ كان مدخلا بالنسبة لأميركا وحلفائها في الاتحاد الاوروبي (دول الناتو) لإعادة تقييم أسلوبهم تجاه أوروبا.
كما أشار إلى وجود صدمة حقيقية في أوروبا بسبب اندلاع الحرب في القارة. فأوروبا كانت تنحو ومنذ حوالى ثلاثة عقود نحو اللاحرب وشرعت بخفض ميزانيتها العسكرية وأسلحتها وحتى جيشها ، لكن هذه الأزمة أجبرتها على إعادة التفكير بهذا المخطط من جديد
كما رأى أن هذه الأزمة رسمت معالم المرحلة المقبلة استراتيجيا بشكل دقيق، فأميركا تتهيأ للتوجه نحو الصين وهي سوف تعترف لروسيا بما تريد واقعياً لكي ترسم الحد الفاصل بينهما ما يعني عملياً الدخول في مرحلة التحالف البارد، وسوف تحاول وضع الحد لسياسة الباب المفتوح العشوائية للانضمام للناتو والاتفاق على قوانين جديدة لطريقة الانضمام إليه، ولعدم تمدد الناتو اكثر لناحية المجال الحيوي الروسي .
وأشار أيضاً إلى أن أوكرانيا أمام ثلاثة احتمالات:
1- أوكرانيا الروسية
2- أوكرانيا الغربية ( الناتو )
3- أوكرانيا المقسمة ، الاوكرانيتان ( الشرقية والغربية ).
الدكتور عماد مراد وردا ًعلى سؤال حول أهمية أوكرانيا من ناحية الطبيعة الميدانية بالنسبة لروسيا، أشار إلى ان الحديث في السياسة يستوجب العودة إلى التاريخ لأنه يساعدنا على التعلم من أخطاء الماضي، مؤكداً على ضرورة فهم طبيعة الميدان من الناحية التاريخية وخصوصاً التاريخ الحديث والمعاصر.
وأوضح مراد أن المنطقة الأوروبية شكلت محور الصراعات الدولية ومنها انطلقت حربان عالميتان بعد صراعات ومنافسات بين الدولتين العظميين فرنسا وبريطانيا في حين أن أميركا ولبعدها الجغرافي بقيت بعيدة نسبياً.
أما أوكرانيا، بحسب مراد، فتكمن أهميتها تاريخياً بالنسبة للاتحاد السوفياتي، أولاً لكونها كانت تضم المفاعل النووي، وأيضاً من الناحية العلمية والتكنولوجية كانت السباقة في صناعة الحاسوب في دول الاتحاد.
حديقة خلفية
الأمر الآخر الأكثر أهمية، بحسب مراد، هو دور اوكرانيا كملعب أساسي وحديقة خلفية لروسيا وقد برز هذا الدور مع اجتياح هتلر لروسيا حيث استبسل قسم من الأوكرانيين في الدفاع عن أوكرانيا في حين أيّدت الهجوم النازي جماعات من شرق أوكرانيا وشمالها وشاركت في الحرب على روسيا.
ويتابع مراد قائلاً إن نواة الامبراطورية الروسية تاريخياً كانت كييف كما ان الشعبين الروسي والأوكراني ينتميان إلى مجموعة إثنية واحدة ويتشاركان ثقافة واحدة.
أما من يبرر الحرب على أوكرانيا بسبب موقعها الاستراتيجي على البحر الأسود بالنسبة لروسيا، فأكد مراد أنه كان من الأفضل محاولة الوصول إلى نقاط مشتركة بين الدوليتين وبين الشعبين المتشابهين لتفادي الوصول إلى هذه المرحلة، وأكد أنه من واجب روسيا احترام سيادة أوكرانيا باعتبار أنها دولة مستقلة لها علاقاتها الدولية والسلطة فيها انبثقت عن انتخابات ديمقراطية بالتالي لا يمكن أن يقبل القانون الدولي باجتياحها.
فئة "مضطهدة"
ورداً على السؤال حول ما إذا كانت العقوبات على الرئيس الروسي ستدفعه إلى التراجع عن إجتياحه لأوكرانيا، أوضح الدكتور عماد رزق لـ "جسور" أن الرئيس الأوكراني الحالي، وبدعم من مجموعة يمينية في البلاد يقوم بالتضييق على المواطنين الأوكرانيين الذين يحملون الجنسية الروسية أو يتكلمون بالروسية بالتالي، يرى رزق أن ما قام به بوتين مبرر من الناحية الإثنية كونه يهدف إلى حماية هذه الفئة المضطهدة في البلاد والتي راح ضحيتها أكثر من 12 ألف مدني من 2014 حتى اليوم بالإضاف إلى محاولات جدية لمنعها من التحدث بالروسية، ما أدى إلى تصاعد حدة الاحتقان بين الطرفين.
ولفت أيضاً إلى هوية الرئيس الأوكراني الدينية ورأى أنه يهودي يتبع النظام الصهيوني.
أما بالنسبة للعقوبات على روسيا فقال رزق إن تأثيرها سيطال الشعب الأوكراني كما الشعب الروسي لكن من ناحية أخرى أوضح أنها محدودة وبراغماتية بمعنى أن التصعيد في العقوبات مرتبط بتصعيد العمليات العسكرية من قبل بوتين ومع توقفه تتوقف العقوبات، كما أشار إلى أن موضوع الطاقة والغاز أكبر دليل على عدم الرغبة في التصعيد إذ لم تفرض عقوبات على تصدير الغاز، لما له من ضرر كبير على الدول الأوروبية كافة.
كما لفت إلى أن الجانب الأميركي لا يريد التصعيد بل بعض التسريبات تشير إلى أن الأميركيين يرغبون بتقديم أوكرانيا لروسية وإنهاء الموضوع.
غير أنه أكد أن الشعب الروسي معتاد على الحصار وحياة التقشف وهو لم يعرف الرفاهية إلا أخيراً، مؤكداً أن الطبقة الثرية في البلاد والتي تملك أهم المصارف هي من اليهود.