للمرّة الأولى منذ عقود، تحبط السلطات الألمانية زلزالاً أمنيًا كاد يطيح بمؤسسات البلاد وتحديدًا البرلمان وتعتقل 25 شخصًا من أفراد "مجموعة إرهابية" من اليمين المتطرف يشتبه بقيامهم بالتخطيط لشن هجمات والسعي لتدمير النظام الديمقراطي الألماني.
واللافت أن المؤامرة الانقلابية حقيقية ومُحكمة الأركان، فالمعتقلون ينتمون إلى تنظيم "مواطني الرايخ" الذي يضم 21 ألف عضو، يرفضون الاعتراف بالنظام الألماني الحالي. وأضيف أن تهديد اليمين المتطرف ليس الأول من نوعه فقد سبق وفككت السلطات شبكة ساعية الى اختطاف وزير الصحة كارل لاوترباخ في ابريل/نيسان الماضي.
ومما لا شك فيه أن أسهم أحزاب اليمين المتطرّف ترتفع في المشهد السياسي الأوروبي اذ تسع دول في الاتحاد الأوروبي يشارك في حكومتها هذا التيار الذي يشكل نحو ثلثي أعضاء البرلمان الأوروبي، فيما تتراجع الأحزاب اليسارية بشكل ملحوظ في القارة العجوز لا سيما بعدما تسلمت جورجيا ميلوني مهامها كرئيسة للحكومة في إيطاليا، لتشق طريق الولاية الأكثر يمينية منذ الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن فوز حزب ديمقراطي السويد اليميني المتطرف بالانتخابات السويدية الأخيرة.
غضب شعبي
وعن التحذيرات من تهديد تيار اليمين المتطرف لمستقبل الديمقراطيات الأوروبية، اعتبر مستشار مؤسس حزب الجبهة الوطنية ايلي حاتم في حديث لـ"جسور" أن "محاولة الانقلاب في ألمانيا زادت الأمور تعيقدًا في القارة العجوز حيث يسود حالٌ من الاستياء الشعبي حيال الحكومات المتعاقبة نظرا للفجوة الكبيرة بين عامة الشعب والحكام نتيجة السياسات الأوروبية المنبثقة من الاتحاد الأوروبي التي تضُر بالشعب الأوروبي أبرزها سياسة الاقتصاد المعتمدة."
وأضاف "ما حصل في ألمانيا يُشبه محاولة الانقلاب العسكرية في فرنسا العام الماضي والتي باءت بالفشل"، مشددًا على أن "هناك فرقًا شاسعًا بين اليمين التقليدي واليمين المتطرف الذي يهدد مجددًا أمن ألمانيا."
نفي روسي
وفي سياق متصل، قالت الرئاسة الروسية إنه لا يمكن الحديث عن أي تدخل روسي في التحضير "لانقلاب" في ألمانيا، وإن العملية الأمنية ضد "حركة مواطني الرايخ" شأن داخلي ألماني بحت.
كذلك نفت السفارة الروسية في برلين أي علاقة مع ما وصفتها بالجماعات الإرهابية، مؤكدة أن المكاتب الدبلوماسية والقنصلية الروسية في ألمانيا لا تقيم اتصالات مع ممثلي جماعات إرهابية أو كيانات غير قانونية أخرى.
وفي السياق، دحض حاتم كل المعطيات التي تشير الى انخراط روسيا في عملية الانقلاب، لافتًا الى أن "أصابع الاتهام توجه الى روسيا لأنها تدافع عن سيادتها في ظل الحرب الحالية في وجه الغرب، ناهيك عن أن موسكو تحارب اليمين النازي المتطرف وبالتالي ليس من مصلحتها أن تناقض نفسها بالانخراط في عملية الانقلاب في ألمانيا."
انقلاب فاشل
وكانت السلطات الألمانية أوقفت 25 شخصًا من أعضاء ومناصري جماعة يمينية متطرفة، قال ممثلو الادعاء إنهم كانوا يعدون لقلب نظام الحكم، فيما نفت السفارة الروسية في برلين أي علاقة لموسكو مع أي مجموعات إرهابية وغير قانونية في ألمانيا.
وشارك أكثر من ثلاثة آلاف عنصر من بينهم وحدات النخبة لمكافحة الإرهاب في العمليات التي نُفذت في ساعة مبكرة صباحا وقاموا خلالها بتفتيش أكثر من 130 عقارا، في ما وصفته وسائل إعلام ألمانية بأنها واحدة من أكبر عمليات الشرطة التي شهدتها البلاد.
واستهدفت عمليات الدهم أعضاء مفترضين في حركة "مواطني الرايخ" (رايخسبرغر) يشتبه في "قيامهم باستعدادات ملموسة لاقتحام البرلمان الألماني بعنف مع مجموعة صغيرة مسلحة"، على ما جاء في بيان للمدعين.
ويُتهم المعتقلون بتشكيل "مجموعة إرهابية بنهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2021 على أبعد تقدير، والتي كانت قد حددت لنفسها هدف التغلب على نظام الدولة القائم في ألمانيا واستبداله بشكل من دولة خاصة بها".
وتضم حركة "رايخسبرغر" أفرادا من النازيين الجدد وأصحاب نظريات المؤامرة ومؤيدين للسلاح ممن يرفضون شرعية الجمهورية الألمانية الحديثة.