قبل أيام اختتمت في مدينة إسطنبول التركية الجولة الثانية من المفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني، في إطار الوساطة التركية لوقف إطلاق النار والعمل على التوصل إلى اتفاق سلام دائم بينهما، ولكن لسوء الحظ لم تخرج عن الجولة نتائج ملموسة باتجاه وقف إطلاق النار أو الإعلان عن اتفاق ما، لكن وكما يبدو فإن المفاوضات حققت تقدما ملحوظا يمكن البناء عليه.
ومرارا كرّر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، نداءاته لنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وجديدها هذه المرة كان ما أعلنه السبت عن أن بلاده مستعدة لاستكمال المفاوضات مع روسيا.
وفي التفاصيل، أكد زيلينسكي خلال مؤتمر صحفي مع المستشار النمساوي، كارل نهامر، الذي زار كييف ومدينة بوتشا القريبة من العاصمة "الاستعداد للقتال وفي الوقت نفسه البحث عن طرق دبلوماسية لوقف الحرب، في الوقت الحالي، نحن نبحث بالتوازي إجراء حوار".
رغبة زيلينسكي
وللتعليق على رغبة زيلينسكي بالتفاوض مع بوتين، رأى المستشار في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، الدكتور الناصر دريد، أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الرئيس الأوكراني، فولودومير زيلينسكي، رغبته في التفاوض، لا بل هو يلحّ على التفاوض المباشر مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
ويبّين دريد في حديث لـ"جسور"، أنّ الإستعداد للتفاوض ليس بجديد بالنسبة للرئيس الروسي، لكن الأهم من ذلك هو هل سيوافق بوتين على التفاوض المباشر مع زيلينسكي وجها لوجه وعلى طاولة واحدة؟.
وبحسب دريد، فإن الرئيس الأوكراني أصبح يدرس حساباته بشكل جيد وهو يعي بالفشل العسكري المحقق في عملية احتلال روسيا للعاصمة كييف كما كان متوقعا منذ حوالي أسبوعين وكما كان يخطّط بوتين الذي بدأ مرحلة التراجع من الناحية العسكرية، وزيلينسكي يريد أن يستثمر هذه الوقائع على الأرض من أجل الدفع بالجانب الروسي للإعتراف بحقوق الشعب الأوكراني وبسيادته واستقلاله.
وأضاف دريد أن هناك نقاطا تبقى عالقة، ما زال يعتقد بوتين أنه يجب أن يحققها لحفظ ماء وجهه بعد الغزو الفاشل الذي حدث، وهذه ربما فيها مجال للحوار، مشيرا إلى أنّ النقطة الأخطر حاليا في قضية المفاوضات ما بين موسكو وكييف بعد الإقرار بحياد أوكرانيا، هي المناطق ذات الأغلبية الروسية سواء أكانت في شرق أوكرانيا أم في القرم، ويؤكد دريد أنّ هذه النقاط الحادة والمعقّدة بين الطرفين تحتاج فعلا إلى التفاوض وبشكل سريع.
تقارب جزئي
وكان الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن قال سابقا إن وجهات نظر وفدي التفاوض قد تقاربت في 4 من أصل 6 مواد رئيسية على طاولة الحوار.
وذكر أن هذه المواد الأربع هي حياد أوكرانيا، ونزع سلاحها وفق النموذج النمساوي، وما تسميه روسيا "اجتثاث النازية" منها، إضافة إلى تسهيل انتشار استخدام اللغة الروسية فيها.
ومع صدور نفي عن كييف للتوافق التام مع موسكو على هذه البنود فإن ذلك يُحسب ضمن الأوراق التفاوضية لا أكثر، إذ إن ذهابهما لجولة ثانية من التفاوض أكد فكرة حدوث تقدم، وبالمنطق ذاته يمكن تقييم تصريح الرئيس الأوكراني بعد نهاية الجولة، إذ قال إن بلاده تلقت إشارات إيجابية من المفاوضات، لكنها لا تُسكت الأسلحة الروسية.
في المقابل، قال رئيس الوفد الروسي المفاوض فلاديمير ميدينسكي إن جولة المفاوضات كانت بناءة، فيما أعلن نائب وزير الدفاع الروسي عضو وفد التفاوض، ألكسندر فومين، عن قرار بلاده تخفيف حدة العمليات العسكرية في كييف وتعزيز إجراءات الثقة المتبادلة وتهيئة الظروف المناسبة لإنجاح المفاوضات.
4.4 ملايين لاجئ
إلى ذلك، كشفت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، عن وصول عدد الفارين من الحرب في أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط، لـ4.4 ملايين لاجئ. وأحصت المفوضية 4 ملايين، و441 ألفا، و663 لاجئا أوكرانياً، السبت بزيادة نحو ٥٩ ألفا عن آخر حصيلة نشرتها أمس الجمعة.
ولم تشهد أوروبا مثل هذا التدفق للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-1945).
وتشكل النساء والأطفال نحو 90% من الذين فروا من أوكرانيا، في حين لا تسمح السلطات الأوكرانية بمغادرة الرجال في سن القتال.
وكانت المفاوضات مع روسيا توقفت في الفترة الأخيرة، بعد حديث كييف عما وصفته بـ"مجازر روسية" في مدنها، لكن روسيا تنفي هذه الاتهامات وتصفها بـ"الاستفزاز"، و"المسرحية"، من دون وجود قدرة على إجراء تحقيق مستقل في الأحداث في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة.
وكان آخر اتهام أوكراني لروسيا في هذا الإطار، متعلق بهجوم صاروخي تقول كييف إنه روسي، وأسفر عن سقوط 52 قتيلا بينهم خمسة أطفال في منطقة كراماتورسك، وفق حصيلة أوردتها السلطات المحلية.