أعادت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، من دون إعلان رسمي، العمل بإعفاءات أساسيّة تتعلّق بالبرنامج النووي المدني الإيراني وذلك مع دخول المحادثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران، المرحلة النهائية.
من جهة أخرى أكدت إدارة بايدن أن القرار لا يعتبر تنازلاً لإيران بل ضمانة لإبقاء الأنشطة الإيرانيّة مدنيّة وسلميّة بحتة. إشارة إلى أن المفاوضات المتواصلة منذ الربيع الماضي في فيينا هدفت إلى إيجاد تسوية بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وكان سبق لبايدن أن أعلن في مقابلة تلفزيونية في 7 شباط / فبراير من العام المنصرم أنه لن يرفع العقوبات المفروضة على إيران ما دامت لا تحترم التزاماتها في الملف النووي.
عقوبات بعد المفاوضات
وتوصلت الولايات المتحدة بعد مفاوضات شاقة وطويلة عام 2015، إلى اتفاق مع إيران يحول دون حيازتها السلاح النووي، وقعته أيضا الصين وروسيا والمانيا وفرنسا وبريطانيا قبل أن تصادق عليه الأمم المتحدة. لكن الرئيس السابق دونالد ترامب خرج من الاتّفاق عام 2018 وأعاد فرض معظم العقوبات الاقتصاديّة الأميركيّة على طهران، في إطار حملة "ضغط قصوى". وأبدى الأوروبيون حينها "أسفهم العميق" لقرار الرئيس الأميركي، معتبرين أنّه يُزيل "الضمانات" المتعلّقة بالطبيعة "السلميّة" للبرنامج الإيراني.
وبالفعل، وردّا منها على العقوبات الأميركيّة، حرّرت السلطات الإيرانية نفسها تدريجياً من القيود التي فرضها الاتّفاق النووي على أنشطتها، إلى درجة أنها باتت حاليا، بحسب خبراء، على بعد أسابيع قليلة فقط من امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي.
نقاط وخبايا
المستشار والخبير القانوني في المفوضية الاوروبية والمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الدكتور محي الدين الشحيمي أشار في اتصال مع "جسور" إلى وجود "ثلاث نقاط أساسية تحيط بخبايا وكواليس مباحثات فيينا بشأن الاتفاق النووي".
وقال "النقطة الأولى تتمثل بالإطباق الإيراني على المنطقة حيث باتت إيران صاحبة القرار في أربع عواصم وقطاع غزة، والثانية وهي الأهم، تتمثل بالضياع والإرباك في السياسة الخارجية الاميركية مع إدارة الحزب الديمقراطي والرئيس بايدن، أما النقطة الثالثة، فتترجم بالتشتت وفقدان الثقة ضمن المنظومة الاوروبية التي تقف عاجزة في العديد من الأحداث سواء أكانت المنافسة بين الحلفاء أو المواجهة بين الخصوم."
تصلب مقابل الليونة
يرى الشحيمي أن الثبات والعزيمة في السياسة الإيرانية مستمران وينبئان بتقدم لوجيستي وميداني خطر جداً، أما السياسة الأميركية، في عهدها الرمادي، فتقف عاجزة، وتحاول اللعب على الوقت وتمريره بأقل الاثمان عليها وليس على حلفائها سواء العرب أو الأوروبيين .
وأشار الشحيمي إلى "تسريبات حصلت في السابق تفيد بأن الادارة الأميركية تبحث عن أفكار جديدة لاستمالة الطرف الإيراني أي أنها تنوي تقديم تنازلات إضافية فقط بهدف انهاء الملف بأي شكل من الاشكال" وذلك مباشرة بعد تصريح بايدن في 7 فبراير/شباط من العام الماضي.
وفي المرحلة المقبلة يرى المستشار والخبير القانوني أن "هذه الليونة الأميركية لا بد وأن تقابل بتصلب إيراني أكبر، خصوصاً باعتبار أن طهران تعيش حالياً فترة ذهبية تنوي اقتناصها حتى الأخير، ولن تتوانى بالتالي عن الاستمرار بتهديداتها سواء مباشرة أو من خلال أذرعتها العربية" .
الوضع اللبناني
أما بالنسبة للوضع اللبناني فرأى الشحيمي أن "رفع العقوبات عن إيران قد ينعكس إرتياحاً طفيفاً على الساحة اللبنانية في ظل الشرذمة السياسية التي يعاني منها البلد بالاضافة إلى ما يمر به من أزمة اقتصادية خانقة" لكنه لفت إلى أن هذه الايجابية لن تظهر إلا على المدى القريب "إذ على المدى الطويل لا حلول جذرية مع وجود أكثرية نيابية تحت سيطرة القرار الإيراني، بالتالي يجب انتظار ما يمكن أن تنتجه الانتخابات النيابية المقبلة من طبقة سياسية".
ومع اعتبار وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان الإجراءات الأميركية بشأن رفع العقوبات المفروضة على طهران "جيدة لكن غير كافية"، هل يكون الإعفاء الأميركي الفاتحة الأولى لمجموعة من "التنازلات" المقبلة التي ستعلنها إيران انتصارات على الولايات المتحدة الأميركية مع ما يحمله الأمر من ضغط وقلق على المحيط العربي وعلى حلفاء أميركا والأوربيين؟