مفاجأة من العيار الثقيل تتعلق بالتحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، فجّرها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالرغم من أنّ المناسبة التي كان يتحدث فيها لم تكن مخصّصة لهذا الملفّ أو على صلة بتطورات الاوضاع في لبنان.
بوتين وفي تصريح خلال مشاركته في الجلسة العامة لمنتدى "فالداي" أدلى بدلوه في تحقيقات انفجار مرفأ بيروت ما دفع بعضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب اللبناني بلال عبدالله الى طرح علامات إستفهام حول تزامن اعلان الرئيس الروسي عن معلومات حول تفجير المرفأ، مع محادثات ملفتة مع رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، مشيرا الى انها مسألة تحتاج المتابعة والتحليل".
هذا ما كشفه بوتين!
وإذ أكد بوتين في موقفه أن "حزب الله" قوة سياسية كبيرة في لبنان ومن الضروري حل الخلافات عبر الحوار بعيدا من سفك الدماء، تناول كارثة انفجار مرفأ بيروت، معربا عن تعازيه للشعب اللبناني وتابع بوتين: بحسب وسائل الإعلام، فقد تم منذ سنوات نقل شحنة من نيترات الأمونيوم إلى الميناء والسلطات المحلية لم تتعامل للأسف مع ذلك نظرا لرغبتها في بيع الشحنة بشكل مربح... وهو ما أسفر عن حصول هذه الكارثة قبل أي شيء آخر".
وتابع: "أما المساعدة في التحقيق، فلا أفهم كيف يمكن أن تساعد صور ملتقطة عبر الأقمار الصناعية إن وجدت أصلا، لكن سيدرس الموضوع فإذا تمكنت روسيا من المساعدة في إجراء التحقيق فلن تتردد ".
هل يقدم لبنان طلباً رسمياً للتعاون؟
من الناحية القانونية، أكدّ المحامي لحود لحود أنه على الدولة اللبنانية أن تراسل روسيا بصفة رسمية عبر وزارة الخارجية أو الأجهزة المختصة أو قاضي التحقيق لطلب المساعدة بتحقيقات إنفجار مرفأ بيروت، عبر تزويد لبنان بصور الأقمار الصناعية لتبيان الإحتمالات التي تقف وراء الإنفجار.
لحود وفي معرض حديثه لـ "جسور"، أضاف أن هذه الصور إذا توافرت ستساعد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار الذي يتابع مسار التحقيقات بشكل مكثّف لكشف الحقيقة الكاملة، لافتا أنه يجب على لبنان أن يسعى جاهدا لطلب مساعدة اي دولة ممكن ان تساند بصورة قانونية القاضي البيطار لكشف السبب الرئيس لإنفجار المرفأ.
ومن الناحية السياسية، رأى لحود أن المستقبل سيكشف ما إذا كان تصريح الرئيس الروسي بالتزامن مع محادثاته ورئيس الوزراء الإسرائيلي في هذا التوقيت بالذات مقصود أم لا، أو لغاية سياسية معينة، مؤكدا ضرورة متابعة مسار التحقيقات حتى النهاية .
وتساءل لحود عن مصلحة روسيا في مساعدة دولة ضعيفة كلبنان، واذا تبين في التحقيقات تورط دولة أجنبية معينة في التفجير وخاصة إسرائيل، هل تملك موسكو الجرأة لكشف المعلومات وتدخل في أزمة مع إسرائيل لأجل دولة ضعيفة كلبنان؟
العدالة في مرمى النيران
المحامي والمحلل السياسي، أمين بشير، إعتبر أن الرئيس الروسي هو رئيس محور الممانعة وبالتالي تصريحه في هذا التوقيت بالذات وتدخله المباشر بالتحقيقات دليل على أنه يعتبر الموضوع مجرد حادث وان السلطات اللبنانية هي التي تأخرت في التعامل مع شحنة النيترات، وكأنه رمى الكرة في ملعب الدولة اللبنانية باعتباره أن التفجير هو نتيجة الإهمال المتراكم مثلما كان يسوّق محور الممانعة منذ بداية الجريمة.
وتساءل بشير عن نية الرئيس الروسي التدخل في تحقيقات المرفأ تحديدا بعد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، لافتا في حديث لـ "جسور" أن هذا الامر يضعنا أمام فرضية عمل حربي إسرائيلي، ولا يخفى على أحد العلاقة الوثيقة بين روسيا وإسرائيل، قائلا: هل تدخّل بوتين حاليا للمساعدة في التغطية على الجريمة الكبرى التي حصلت؟ كونه لم يبحث في ملكية ومصدر هذه المواد المتفجرة؟
وبالتالي رئيس المحور الذي تتبع له إيران وحزب الله والذي يعطي التعليمات يعمل حاليا على رسم مسار التحقيق، والجميع يفهم خطوات حزب الله في هذا الشأن والمشابهة لمسار الرئيس الروسي للتغطية على موضوع التحقيق باعتباره مجرد حادث، قال بشير.
وبناء على ما تقدم، رأى بشير في حديث لـ "جسور" أن هناك قرارا دوليا لعدم الوصول إلى حقيقة إنفجار مرفأ بيروت برعاية المحور المسيطر على المنطقة.
أزمة البيطار بلا مخرج حتى الآن
وسط كل هذا، تدل جميع المؤشرات والتطورات على ان لبنان يتجه الى مزيد من التصعيد والتأزم على وقع الخلافات والسجالات النارية حول العديد من الملفات والقضايا، اكان على صعيد مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، أو على صعيد تداعيات ما حصل في الطيونة ومجريات التحقيق في شأنها، ام على وقع الدخول في اجواء الاستحقاق الانتخابي.
وفي ظل هذا التأزم السياسي وانسداد الافاق امام الحلول والمعالجات الفورية والآنية يتفاقم الوضع الاجتماعي والمعيشي بشكل مضطرد مع استمرار ازمة الكهرباء، وارتفاع اسعار المحروقات والغاز وجنون اسعار السلع والمواد الغذائية، وتآكل القدرة الشرائية للمواطن والرواتب التي لم تعد تكفي لتأمين النقل والجزء القليل من الحاجيات اليومية.
وفي المعلومات المتوافرة لـ "جسور" فان ازمة المحقق العدلي طارق البيطار لم تجد حتى الآن اي مخرج، حيث ان مجلس القضاء الاعلى، لم يزل في دائرة الدرس والتشاور في ظل الحديث عن تباين في الرأي بين اعضائه.
وتضيف المعلومات ان المجلس يتريث في الاجتماع مع القاضي البيطار لاسباب عديدة غير معلنة، ويتفادى حتى الآن الاقدام على اية مبادرة بسبب التجاذبات والضغوط التي تشهدها هذه القضية، عدا عن موقف بعض اعضائه المتشدد لصالح استمرار القاضي البيطار بمسك هذا الملف او ترك المبادرة له لاتخاذ الموقف المناسب.
ووفقا لواقع الامر فان القاضي البيطار مستمر في ادائه الذي بدأه من دون اعطاء اية اشارة على تعديله بدليل طلبه الاستماع الى النائبين غازي زعيتر ونهاد المشنوق الاسبوع المقبل.
إنفجار العصر
وانفجرت مئات الأطنان من نترات الأمونيوم، وهي مادة شديدة الانفجار تستخدم في الأسمدة، في الرابع من أغسطس/آب سنة 2020 بعد اندلاع حريق هائل في مرفأ بيروت.
واتضح لاحقا أن هذه النترات تم تخزينها بشكل غير صحيح في مستودع بالمرفأ لسنوات، وأن كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين كانوا على علم بالأمر ولم يفعلوا شيئا حياله.
وإلى جانب عشرات القتلى، أصيب أكثر من ستة آلاف شخص بجروح.