بينما تتردّد في أنحاء العالم عبارات التعزية بوفاة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، لا بد من التطرّق إلى مسيرتها التاريخية وعلاقاتها الوطيدة مع الدول العربية.
فمنذ توليها عرش بريطانيا عام 1952، حرصت الملكة الراحلة على تكثيف زياراتها إلى الدول العربية والمحافظة على العلاقات القوية والمميزة مع الزعماء العرب باختلاف أنظمة الحكم، حيث عايشت حوالي 160 حاكمًا عربيًا.
إلا أن موقفها المحايد في القضايا الداخلية البريطانية انعكس في سياستها واستراتيجيتها الخارجية في التعامل مع القضايا الدولية، ومن بينها القضايا العربية.
زيارات الملكة
وبدأت الملكة الراحلة رحلاتها للدول العربية بزيارتين غير رسميتين أولهما كانت إلى اليمن الذي يعد أول بلد عربي زارته بعد وراثتها للعرش، ولكن ليس رسميًا، واقتصرت رحلتها إليه في أبريل/نيسان 1954 على عدن ضمن جولة إلى دول الكومنولث مع زوجها الأمير فيليب على متن اليخت الملكي "سوربرايز" واستمرت 6 أشهر.
وكانت الزيارة الثانية إلى ليبيا بشكل غير رسمي في مايو/ أيار عام 1954، حيث نزلت بمدينة طبرق، لتختم جولتها باليخت الملكي إلى أستراليا.
وكان من اللافت زيارة ملكة لدولة عظمى مثل بريطانيا لليبيا التي كانت في ذلك الوقت دولة ناشئة، وكانت هذه أول زيارة للملكة باتجاه بلدان المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، ثم توالت الزيارات لدول أخرى.
وفي فبراير/شباط 1965، هبطت طائرة الملكة إليزابيث الثانية في الخرطوم، وسط حفاوة كبيرة من قبل الحكومة والشعب، ليكون أول بلد عربي تزوره الملكة رسميًا بدعوة من رئيس السودان حينها إبراهيم عبود، وكانت في الـ39 من عمرها.
ويظهر فيديو تاريخي كيف اصطف المواطنون خارج مبنى المطار وسط العاصمة لاستقبال الملكة.
وفي مشاهد أخرى، يظهر اصطفاف الحشود في الشوارع الذين تجمعوا لاستقبال ملكة بريطانيا في كل مكان ذهبت إليه، وهي تقابل بالتحيات والعروض والأغاني السودانية، إضافة إلى ترداد كلمة "أبشر".
وقضت الملكة اليوم الأول في الخرطوم قبل التوجه إلى مدينة الدمازين لمشاهدة بناء سد الروصيرص وزيارة أجزاء من مشروع الجزيرة في مدني، كما زارت مدينة الأبيض، حيث استقبلها 80 ألفا على صهوة الجياد والجمال.
وزارت الملكة إليزابيث الثانية وزوجها الأمير فيليب الكويت، في فبراير/شباط 1979، وكانت أول شخصيّة ملكية تزور منطقة الخليج، حيث استقبلها الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، وتبادل معها الأوسمة.
وظهرت الملكة بحجاب "شرعي،" كامل، أثناء تجولها في مسجد الشيخ زايد الكبير، في العاصمة الإماراتية بأبوظبي، والذي يعد أحد أكبر المساجد في المنطقة بعد المسجد الحرام في السعودية، حيث زارت الإمارات في نوفمبر/تشرين الثاني 2010، وكانت تلك الزيارة الثانية لدولة الإمارات بعد الزيارة الأولى عام 1979 حين استقبلها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
وتُعتبر السعودية، من أكثر الدول العربية التي سافرت إليها ملكة بريطانيا، ما بين أعوام 1981، و1987، و2007، و2018.
"سلام دائم"
من جهة أخرى، كان لافتا أنه بالرغم من العلاقة الإسرائيلية-البريطانية التي عادة ما توصف بأنها مميزة، إلا أن الملكة لم تزر إسرائيل يوما.
وأشارت صحيفة "هآرتس" العبرية الجمعة، إلى أن "الملكة زارت 120 دولة حول العالم، لكنها لم تزر إسرائيل أبدا"، قائلة إن الممثلين البريطانيين الرسميين كانوا يبررون سبب مقاطعة الملكة لدولة إسرائيل، بجواب متلعثم: "عندما يكون هناك سلام دائم".
وأضافت الصحيفة مستدركة: "هذا بالطبع لم يمنع الملكة من زيارة الدول العربية".
وتناول موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مسألة عدم زيارة الملكة إلى دولة الاحتلال، حيث أرجع ذلك إلى الخوف من إغضاب دول الخليج العربي وخسارة الصفقات التجارية المحتملة إلى التمرد العنيف الذي شنته الجماعات المسلحة الصهيونية ضد الانتداب البريطاني في فلسطين قبل إنشاء "إسرائيل" عام 1948.
وأورد الموقع بعض الأحداث المتفرقة التي لها صلة كما يرى بالإجابة عن السؤال، قائلاً عندما زارت الملكة الأردن عام 1984، ورد أنها قالت "يا له من أمر مخيف!" عندما انطلقت طائرات مقاتلة إسرائيلية في السماء وهي تنظر إلى الضفة الغربية المحتلة من بعيد، وقيل إن الملكة نور زوجة الملك حسين ردت: "إنه أمر فظيع".
لبنان والعراق
كما لم يذكر أي زيارات للملكة إلى العراق ولبنان.
إلى ذلك، نعى الرئيس برهم صالح في تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، الملكة الراحلة قائلا إن "الملكة إليزابيث ستبقى في الذاكرة كأيقونة تاريخية عظيمة أدت مهامها".
وأعلنت الحكومة اللبنانية حدادًا رسميًا لثلاثة أيام حزنًا على وفاة الملكة البريطانية. كما قررت الحكومة اللبنانية تنكيس الأعلام على المؤسسات العامة، فضلا عن تعديل البرامج الإعلامية بما يتناسب والحدث.
كما نعت دول عربية عديدة الملكة الراحلة التي توفيت الخميس الماضي بعد سبعة عقود قضتها على عرش بريطانيا، ما يؤكد مكانة الملكة لدى الحكام العرب بالنظر لتاريخ العلاقات.
يذكر أن الملكة عرفت طوال فترة حكمها، بعلاقات قوية مع الجالية العربية في بريطانيا.