يواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته الى الجزائر والتي تستمر ثلاثة أيام بهدف بناء المستقبل من دون التعتيم على أي شيء من الماضي الاستعماري، مع التركيز على رواد الأعمال الشباب والشركات الناشئة.
وفيما شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أهمية إحراز تقدّم في مجالات الصناعة والبحث والمحروقات والمعادن النادرة، تحدث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن نتائج مشجّعة بإمكانها رسم آفاق واعدة في الشراكة الخاصة بين البلدين.
ملف الذاكرة
منذ توليه الرئاسة، حاول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مضاعفة المبادرات في ملف الذاكرة، إذ اعترف بمسؤولية الجيش الفرنسي في مقتل عالم الرياضيات موريس أودين والمحامي الوطني علي بومنجل خلال "معركة الجزائر"، فيما استنكر "الجرائم التي لا مبرر لها" خلال المذبحة التي تعرض لها المتظاهرون الجزائريون في باريس في 17 أكتوبر/ تشرين الأول1961، لكن الجزائر انتظرت اعتذارات عن الاستعمار لم تأتِ أبدًا، ما أحبط مبادرات ماكرون وزاد من سوء التفاهم.
وما زاد الطين بلة، تصريحات الرئيس الفرنسي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021 اتهم فيها "النظام السياسي العسكري" الجزائري بإنشاء "ريع للذاكرة" مشكّكًا في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار.
وفي جديد ملف الذاكرة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الجزائر إنشاء لجنة مشتركة تضم مؤرخين من البلدين لدراسة الأرشيفات حول الاستعمار وحرب الاستقلال.
وفي السياق، لفت المحامي في محكمة باريس والمختص في الشؤون الدولية ايلي حاتم في حديث لـ"جسور" الى أنه للمرة الأولى لجنة في هذا الخصوص تبصر النور، واستنادًا إلى الوثائق التي ستتوصل إليها ستتم إعادة درس هذه المرحلة الحساسة بين فرنسا والجزائر".
وأضاف "هذه الزيارة بمثابة منعطف مهم في العلاقات بين البلدين وتعد خطوة أولى لاعادة المياه إلى مجاريها بين فرنسا والجزائر، لكن كان واضحًا أنه حتى الساعة لا تزال العلاقات متوترة، فخلال المؤتمر الصحافي المشترك تحدث الرئيس الجزائري بالعربية وليس بالفرنسية كما جرت العادة."
ولدى تطرّقه إلى الذاكرة المشتركة بين البلدين، قال الرئيس ماكرون "أظن أنه بإمكاني القول إن العمل الذي نقوم به في فرنسا منذ خمس سنوات، يعزز لدي فكرة أننا نعيش فترة فريدة آمل أنها ستمكننا من مواجهة هذا الماضي والعمل على جعله عنصرًا مشتركًا لا عائقًا لتقدمنا".
وتابع "مع نهاية هذه الزيارة سننتهي من كتابة ما تم الاتفاق عليه بدقة"، معلنًا عن "تفويض" الطرفين للجنة مشتركة من المؤرخين ستسند لهم مهمة فتح الأرشيف المتعلق بالاحتلال الفرنسي بحرية كاملة للاطلاع على الوثائق.
أزمة الطاقة
هذه الزيارة هي الثانية لإيمانويل ماكرون إلى الجزائر بعد تولّيه الرئاسة، وتعود زيارته الأولى إلى ديسمبر/كانون الأول 2017 في بداية ولايته الأولى.
ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا باتت الجزائر، وهي من بين أكبر عشرة منتجين للغاز في العالم، مُحاورًا مرغوبًا للغاية لدى الأوروبيين الساعين إلى تقليل اعتمادهم على الغاز الروسي.
وهنا توقع المحامي في محكمة باريس والمختص في الشؤون الدولية إيلي حاتم حصول زيارة فرنسية جديدة الى الجزائر.
وبينما تؤكد الرئاسة الفرنسية أن الغاز الجزائري ليس موضوع الزيارة، اعتبر حاتم "أن أزمة الطاقة في أوروبا دفعت ماكرون إلى زيارة الجزائر بغية إيجاد حلول سريعة للأزمة الحالية التي تضرب العالم بأسره، كون تأمين الغاز يعد مسألة حيوية بالنسبة لباريس.
من جانبها، ستسفيد الجزائر من هذا الأمر كي تعزز مكانتها في المنطقة من جهة وتثبت دورها القوي في العلاقات الفرنسية – الجزائرية."
جولة ماكرون
ويزور الرئيس الفرنسي مقبرة سانت أوجين الأوروبية التي كانت المقبرة الرئيسية في العاصمة أثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر، لتكريم الجنود "الذين ماتوا من أجل فرنسا".
وفي محطة مهمة أخرى من زيارته التي تجري تحت شعار إعادة إطلاق الشراكة الثنائية، يلتقي مع رواد أعمال شباب على أمل إنشاء حاضنة فرنسية جزائرية لشركات ناشئة رقمية.
كما سيزور الجامع الكبير في الجزائر قبل أن يتوجه إلى وهران (غرب) ثاني مدينة في البلاد معروفة بانفتاحها وإبداعها. وكرس الرئيس الفرنسي ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون الخميس مصالحتهما بعد أشهر من الخلاف الدبلوماسي.
وكان قد توجه في أول أيام زيارته الخميس إلى نصب شهداء الجزائر في حرب الاستقلال (1954-1962) ضد فرنسا.