لا حل ينتشل فرنسا من أزمة وقود مستفحلة على عكس الوعود التي أطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بأن الأزمة ستنتهي أوائل هذا الأسبوع. فباريس دخلت اليوم اضرابا شاملا قد يحدد معالم المشهدية الفرنسية خلال المرحلة المقبلة، فإما معالجة جذور الأزمة الحالية أو الدخول في فوضى عارمة.
والوضع في فرنسا يزداد سوءا، فبعد أكثر من أسبوع على إضراب عمال وموظفي مصافي النفط، وانضمام قطاعات أخرى إلى الاحتجاجات المشتعلة ضد التضخم والغلاء وسياسات الحكومة، جدد عمال توتال إينيرجي الإضراب فيما فتحت الحكومة مستودعين للمحروقات بالقوة وقالت إنها لن تسمح للأقلية بتعطيل البلاد.
أزمة اقتصادية
وفي ظل كل هذه العوامل التي تنذر بتوسع رقعة الاحتجاجات في البلاد بعدما تعهد المتظاهرون بعدم التراجع قبل البدء بتحقيق مطالبهم وعلى رأسها تصحيح الأجور ووضع سقف للأسعار وخطة واضحة لمواجهة تدهور المناخ، أشار الدكتور والمحامي في محكمة باريس ومحكمة الجنايات الدولية ومستشار مؤسس حزب التجمع الوطني ايلي حاتم في حديث لـ"جسور" الى أن "فرنسا تمر بأزمة اقتصادية حادة نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، ما أدى الى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني في حين لا تزال رواتب الفرنسيين على حالها".
وأضاف "الحكومة عاجزة وغير قادرة على تلبية طلبات الشعب الفرنسي ولا أمل في تصحيح أجور الفرنسيين خصوصا أن الدولة أصبحت شبه مفلسة، فعلى سبيل المثال الحكومة كانت تتجه الى تأخير استحقاق رواتب التقاعدية الخاصة بالشيخوخة لتقليص مصاريف خزينة الدولة، لكنها اليوم لا تجرؤ على فعل ذلك نظرا للغضب الشعبي الحالي، وبالتالي توسع رقعة الاحتجاجات هو الخيار المطروح والتصعيد سيد الموقف."
الخروج من الناتو
راجت في أوساط السياسة الفرنسية أفكار من قبيل اعادة انسحاب باريس من الناتو، بعدما عادت اليه فرنسا عام ٢٠٠٩ اثر غياب دام 43 عاما.
وفي هذا الصدد، اعتبر حاتم أن "الحل يكمن في اعتماد الرئيس الفرنسي سياسية الحياد حيال الحرب الروسية على أوكرانيا أي الخروج من الناتو والمطالبة بتعديل قوانين الاتحاد الأوروبي، ما سيؤدي مباشرة الى تزويد فرنسا بالنفط الروسي من جهة، وحلحلة الوضع الاقتصادي من جهة أخرى."
وتابع "لا يستطيع ماكرون الاستجابة الى مطالب الفرنسيين في هذا الخصوص لان فرنسا تتعرض لضغوط أميركية – أوروبية".
وانضمت الى الاحتجاجات أحزاب اليسار، التي كانت تتحضر منذ أشهر لمواجهة عهد إيمانويل ماكرون في الشارع والبرلمان، وأعطت المطالب الاجتماعية خلفيات سياسية عاصفة، إذ هتف المشاركون في المسيرة الكبرى في باريس للخروج من ورطة الحرب الأوكرانية ووقف المساعادت الهائلة لكييف لمصلحة إنقاذ الفرنسيين من مسلسل الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
تحرير مستودعات الوقود
وصادرت الحكومة الفرنسية مستودعين للمحروقات مع تواصل الإضراب في مصاف تابعة لمجموعة "توتال إينيرجيز" الفرنسية، وتأتي هذه التطورات وسط ترقب لاتساع الحركة الاحتجاجية.
وأوضح وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير أنه ينبغي "تحرير مستودعات الوقود والمصافي التي تم منع الوصول إليها واللجوء الى وسائل المصادرة" .
وأكمل: "ولّى وقت التفاوض، كان هناك تفاوض، وكان هناك اتفاق، وهذا يعني أن القوة يجب أن تبقى مع صوت الأغلبية"، في إشارة إلى الاتفاق المبرم بين مجموعة "توتال إينيرجيز" ونقابتين، لكن لم يوقع عليها الاتحاد العام للعمال "سي جي تي" الذي بدأ حركة الإضراب.