ما بعد الحرب الروسية على الأوكرانية لن يكون كما قبلها، اذ طرأت على قطاعات عدة تغيرات جذرية وأبرزها القطاع المالي حيث بدأت تتغير موازين القوى الاقتصادية في الأسواق العالمية، مع رصد تراجع للدولار الأميركي على حساب اليوان الصيني.
الدولار الاميركي بلا منازع هو العملة الدولية الأقوى، لكن هيمنته أصبحت موضع نقاش منذ سنوات بعد بروز الصين كمنافس قوي للولايات المتحدة، والتحولات التقنية التي سهلت التعاملات المالية الرقمية، وصعود العملات المشفرة، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية، وصولا أخيرا الى الحرب الروسية.
صفقات باليوان
بعد العقوبات الغربية على روسيا، سعت موسكو إلى إبرام صفقات تجارية لا تعتمد على الدولار الأميركي ونتيجة لذلك أبرمت بكين الشهر الماضي عقوداً باليوان الصيني، لاستيراد الفحم والنفط من روسيا.
وهنا اعتبر رئيس التحالف الأميركي الشرق الأوسطي للديمقراطية توم حرب، المقيم في الولايات المتحدة، في حديث لـ"جسور" أن هذه الخطوة "ستعزز قوة اليوان الصيني عالمياً ويتأثر بها سلبا الدولار الأميركي".
وأضاف حرب أن "ازدهار عملات أخرى، سيؤدي الى استقرار في السوق العالمية كونه اصبح بديلا عن العملة الأساسية".
سيناريو متوقع
وكانت قد أشارت نائبة الرئيس التنفيذي سابقا لبنك الصين تشانج يانلينج، في خطاب ألقته منذ أيام، الى أن العقوبات ستفقد الولايات المتحدة مصداقيتها وتقوض هيمنة الدولار على المدى الطويل، مشددة على ضرورة التخلص من هيمنة الدولار.
على صعيد متصل، كان الملياردير الأميركي ستانلي دراكينميلر حذر من أن الدولار قد يخسر في غضون 15 عاما مكانته كعملة مهيمنة على الصعيد العالمي. ويأتي تحذير دراكينميلر على خلفية التراجع طويل الأمد الذي شهدته مكانة الدولار في الوقت الذي يشهد فيه العالم توجها تدريجيا نحو نظام الاحتياطي متعدد العملات.
وفي السياق، فند حرب العوامل الأسياسية التي تكسر هيمنة الدولار الأميركي على التجارة الدولية، بدءا"من أهمية القضاء العادل والمستقل الذي تتمع به الولايات المتحدة، لكن المحاكم في الصين غير ملتزمة بالقرارت الديمقراطية المعترف بها في الغرب.
وصولا الى تغير المسؤولين في سدة الرئاسة باستمرار، ووجود بنك مركزي مستقل، اضافة الى استقرار العملة.
غير أن العالم يخاف من طبيعة السلطة المركزية في بكين اذ يمكن أن تصدر قرارات تؤدي إلى تقلبات في أسعار العملة، وإلى غياب عنصر الشفافية".
كما وصف حرب "قرار بكين بضم هونغ كونغ الى سيطرتها بالخطأ الاستراتيجي لأنه أدى الى تراجع اليوان الصيني على حساب الدولار الأميركي، كون المحاكم في هونغ كونغ تستعمل القرارت الغربية لحل النزاعات، ما دفع الشركات الأحنبية الى التوجه اليها وتجاهل المحاكم الصينية".
التخلي عن الدولار
وقبل الحرب الأوكرانية، قامت روسيا بزيادة استثماراتها في اليوان الصيني والذهب.
كما، اختارت بلدان عدة اليوان الصيني كوسيلة للتبادل التجاري، اذ تشير تقارير إعلامية إلى أن إسرائيل والهند خفضتا أيضا من الدولار واليورو في التعاملات الأجنبية.
وفي هذا الاطار، المملكة العربية السعودية تفكر بالفعل في تجارة قائمة على اليوان مع الصين.
الى ذلك، دخلت الهند أخيراً في اتفاقية لشراء النفط من روسيا بالروبل والسماح لروسيا باستثمار تلك الأموال في السندات الهندية.
وسط هذه الأجواء، يؤكد حرب أن التغيير قد لا يحدث فورا، ولكنه قد يكون بطيئا، وحتى هذه اللحظة لا يوجد بديل عن الدولار الأميركي لأن اليوان الصيني، على سبيل المثال، لا يطرح كبديل في غالبية الدوائر المالية العالمية".
وختم توم قائلا:"لا يمكننا التعويل على هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها العالم كي نقيم مدى تقدم اليوان الصيني على الدولار الأميركي، فالحروب تقلب كل المقاييس في مراحل موقتة."