يستعد المرشحان للانتخابات الرئاسية الفرنسية إيمانويل ماكرون ومارين لوبان للمواجهة الحاسمة الليلة، قبل أربعة أيام من الدورة الثانية، في مناظرة تلفزيونية تقام عند التاسعة ليلا بتوقيت باريس، وتحسم مصير أحدهما في الوصول إلى سدة الرئاسة.
وسبق أن اجتمع المتنافسان في مناظرة مماثلة عام 2017 إلا أن الحظ لم يحالف المرشحة اليمينية المتطرفة حينها لاعتبارات عديدة، إذ بدت متوترة وعدوانية وغير مستعدة أمام مرشح شاب هادئ ومحيط بملفاته، وترك توتر لوبان أمام 16,5 مليون مشاهد انطباعًا سيئاً لدى الرأي العام الفرنسي، حتى بين أنصارها.
أما هذه السنة، فتبدو المنافسة على أشدها بين الخصمين لكن مرشحة "التجمع الوطني" لوبان صرحت أنها تشعر بارتياح كبير وهيأت ملفاتها بعناية كما عرّفت عن نفسها على أنها "أم" لفرنسا.
في المقابل، يتعيّن على ماكرون الدفاع عن حصاد رئاسي وتصحيح الصورة التي غالباً ما ترتبط به بصفته "رئيس الأغنياء" كما سيحاول إقناع ناخبين يساريين مشككين، وحتى معادين له.
وسبق أن رجحت استطلاعات الرأي فوز الرئيس المنتهية ولايته بنسبة تتراوح بين 53 و56%.
الطرفان إذاً، يعدان العدة لمناظرة الليلة، في ظل الأرقام المتقاربة التي نالها كل منهما في الجولة الإنتخابية الأولى إذ حصل ماكرون على 27.84% من الأصوات في حين حصدت لوبن 23.15% منها.
وحلّ جان-لوك ميلانشون، مرشح اليسار الراديكالي، ثالثا في الدورة الانتخابية الأولى مع حوالى 22 % من الأصوات كما دعا إلى "عدم إعطاء صوت واحد" لليمين المتطرّف في الجولة الثانية.
عدم ارتياح
المناظرة التقليدية سيكون تأثيرها كبيراً على الرأي العام الفرنسي وفي هذا الإطار أوضح المستشار والخبير القانوني في المفوضية الأوروبية والمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الدكتور محي الدين شحيمي لـ"جسور" أن "المناظرة الرئاسية الفرنسية مميزة من حيث الشكل والمضمون في السباق الرئاسي" وأكد أن أهميتها تكمن في اعتمادها على "التحدي في الأفكار والمشاريع والمسودات التكتيكية".
لكنه يرى أن "المتنافسين غير مرتاحين" ويجد أن ماكرون، وإن كان أول الناجحين في المرحلة السابقة "إلا أنه يعاني من مشاكل كبيرة سببها تراجع المؤيدين له إضافة إلى مشاكل ضمن أروقة المؤسسات الفرنسية بحكم السياسات الداخلية والخارجية" وذلك رغم اتخاذه قرارات صائبة في كثير من الأحيان كما يضيف شحيمي.
أما مشكلة لوبان فمختلفة بنظره "اذ لديها عقدة وصولها دوماً إلى المعركة النهائية ثم عدم فوزها بها ويتكرر الأمر للمرة الثالثة".
كذلك يرى شحيمي أن ماكرون يبدو أكثر ارتياحاً للمناظرة من حيث الشكل والمضمون "لكونه يتمتع بالكاريزما والثقة بالنفس أكثر من منافسته، كما أنه أكثر تحضيراً لملفاته" لافتاً إلى ما بدت عليه لوبان في المراحل القديمة "كانت تفقد السيطرة وتبدو عصبية إضافة إلى أن حججها لم تكن مقنعة جداً".
الوتر النفسي
وتكمن أهمية المناظرة، بحسب شحيمي، "في كونها تلعب على الوتر النفسي للناخب الفرنسي" مضيفاً أنها "تهدف إلى استمالة نسبة لا بأس بها من الناخبين المترددين أو غير الملتزمين، ممن لم يحسموا قرارهم حتى اللحظة الأخيرة، ما يسمح لأي كلمة أو سؤال أو حتى ضحكة أو مزحة خلال المناظرة من جعلهم يصوتون على أساسها".
المناظرة إذاً، لا تهدف إلى تعريف الناخب على سياسة اليمين المتطرف ولا سياسة ماكرون أو حركة "إلى الأمام" إذ كلاهما معروف من الشعب الفرنسي كما يشرح شحيمي.
لكن المستشار والخبير القانوني لفت إلى أن الانتخابات الحالية تميّزت "بالتفتت الحاصل في الأحزاب الكلاسيكية الفرنسية خصوصاً بين الحزب الجمهوري الذي حصل على 1% من الأصوات والاشتراكي 8%" معتبراً أن النسبة المتدنية التي حصداها "تعكس عملية تململ للمؤسسات الحقيقة في القرار السياسي الفرنسي".
في المقابل أشار إلى تصاعد اليمين وكذلك اليسار في فرنسا "كان لليسار أكثر من مرشح هذه السنة وحصد ميلانشون أحد مرشحيه المركز الثالث في الجولة الأولى بنسبة كبيرة جداً ولو أنه توحد لكان مرشحه اليوم مكان لوبان ينافس ماكرون".
كذلك رأى أن تأهل لوبان للمرحلة الثانية مع نسبة أصوات مرتفعة كان بإمكانها أن تكون أعلى "في حال توحد اليمين ولكان ساهم بدخولها إلى المناظرة بزخم أكبر مقابل ماكرون". ولم يستبعد شحيمي أن ينجح اليمين في الوصول إلى سدة الرئاسة في المستقبل المتوسط أي بين 5 إلى 15 سنة.
وختم شحيمي قائلاً "إن تقدم ماكرون على لوبان نسبته عالية كونه يملك الدهاء السياسي وطريقة الاقناع التي تسمح له في تجيير أصوات من سقط مرشحهم وخصوصاً ميلانشون والاستفادة من بعض التحالفات السياسية".
تحديد التفاصيل
المناظرة بين دورتي السباق الانتخابي باتت معتمدة في فرنسا منذ عام 1974 وصنعت أوقاتا فاصلة في التاريخ السياسي على شاشات التلفزيون.
ومع اقتراب المناظرة بين ماكرون ولوبان، لم يُترك أي تفصيل فيها للصدفة، حتى درجة حرارة الاستوديو تم التوافق عليها (١٩ درجة مئوية). ومن المتوقع أن يجلس ماكرون ولوبان على بعد مترين وخمسين سنتيمترا، كل على طاولته. على أن يجلس المحاوران على بعد أربعة أمتار.
وعيّن كل مرشح مخرجا يجلس في غرفة التحكم إلى جانب المخرج الأساسي كما تم تحديد سلسلة ممنوعات في الصورة. ومنع على مخرج المناظرة استخدام لقطات قطع تُظهر تفتيش مرشح في أوراقه، أو شربه للماء. ويسمح فقط بإظهاره وهو يستمع الى مرشح آخر أو إذا أظهر وجهه تعبيراً تجاه كلام الخصم.
لقطات "الكلوز أب" ممنوعة أيضا. إذ عام ٢٠١٧، بدت لوبان مشتتة وهي تفتش مرارا بين أوراقها.
في المقابل تبدو مهمة الصحافيَين المحاورَين ليا سلامة (اللبنانية الأصل) وجيل بولو صعبة إذ مطلوب منهما الحيادية التامة وتقتصر على تنسيق الأدوار، ومراقبة الوقت، كما ادارة المحاور.