وسط القلق المتزايد المحيط بالأثر الذي يخلّفه تغيّر المناخ، يكتسي مؤتمر الأطراف السادس والعشرون لهذا العام، COP26، أهمية خاصة. وقد شهد الأسبوع الأول منه إلتزامات في قضايا روّجت لها الرئاسة البريطانية لهذه القمة، حول مكافحة إزالة الغابات والتخلص من استخدام الفحم وجمع مليارات الدولارات لاستثمارات خضراء.
تكمن الأولوية بالنسبة الى مؤتمر الأطراف (كوب 26) المنعقد في غلاسكو في الوصول إلى التزامات تجعل من الممكن الاستمرار في حصر الإحترار المناخي بنحو 1,5 درجة مئوية. لكنّ أكثر ما يقلق العلماء والمتخصصين هو تجاوز "نقاط تحول" الذي ستليه سلسلة من التفاعلات التي من شأنها أن تقلب كوكبنا رأسا على عقب.
ويقول تيم لينتون من جامعة إكسيتير البريطانية، وهو أحد أبرز الخبراء المتخصصين في الموضوع، إن "نقاط التحول المناخية تغير قواعد اللعبة وتشكّل تهديدا وجوديا، وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لتجنب تجاوزها". إذ ان مناخ كوكب الأرض نظام معقد من ظواهر مترابطة يحتمل أن تكون غير مستقرة، مثل شخص يتأرجح على كرسي... حتى يسقط إلى الخلف.
وتعرّف الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ نقطة التحول بأنها "تجاوز عتبة حرجة، فيعاد عندها ترتيب النظام بقسوة، و/أو بطريقة لا رجعة فيها".
نقاط اللّاعودة
وحذّر الخبراء في مسودة تقرير سيصدر أوائل العام 2022 حصلت وكالة "فرانس برس" على نسخة منها بالقول "شهدنا عددا من نقاط التحول بالنسبة إلى الشعاب المرجانية والجليد القطبي، ومن المحتمل أن تكون هناك نقاط أخرى على المدى القصير نظرا إلى توقعات ارتفاع درجة الحرارة".
أما مؤسس معهد "بوتسدام" لبحوث تأثير المناخ، هانز يواكيم شيلنهوبر، الذي يعتبر من أوائل العلماء الذين حلّلوا هذه الظاهرة، فيقول: "أدركت أن آلية الكواكب، الرياح الموسمية ودوران المحيطات والتيار النفاث والأنظمة البيئية الكبيرة، مليئة بأنظمة لا تسير في خط واحد، ما يؤدي إلى العديد من نقاط اللّاعودة ".
وحدّد الخبراء نحو 15 نقطة تحول مهمة، بعضها يتعلق بمنطقة، وبعضها الآخر مرتبط بالكوكب بكامله، لكن جميعها مترابطة.
والأكثر عرضة للتهديد الفوري هي الشعاب المرجانية والغطاء الجليدي في غرينلاند وغرب القارة القطبية الجنوبية والأنهار الجليدية في جبال الألب والجليد البحري الصيفي في القطب الشمالي وغابات الأمازون المطيرة.
ويبدو أن هناك أنظمة أخرى تقاوم بشكل أفضل مثل التيارات المحيطية التي تنظم حرارة الأرض أو "التيار النفاث" في القطب الشمالي والرياح العلوية التي تحدد الكتل الهوائية شبه المدارية الدافئة والهواء القطبي مع عواقب مناخية كبيرة.
والأكثر مقاومة هو الغطاء الجليدي في شرق أنتاركتيكا الذي يحتوي على ما يكفي لرفع مستوى سطح البحر بمقدار 56 مترا!
كما تكافح النمذجة المناخية الحالية التي تركز على التغيرات الطويلة المدى من أجل تحديد نقاط الانهيار هذه، بالإضافة إلى عواقبها، ما يجعل من الصعب أخذ الظاهرة في الاعتبار، لكن "صعوبة توقع نقاط التحول لا تعني أنه يجب تجاهلها"، وفق تيم لينتون.
وفي تقريرها الأخير الذي نُشر بداية أغسطس/ آب، أولت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ اهتماما أكبر لهذه المسألة، محذرة من أنه "لا يمكن استبعاد نقاط التحول في النظام المناخي". كما أن عبور هذه النقاط يخاطر بإطلاق تفاعلات متسلسلة.
وبالتالي، فإن ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند يعتبر سبب تباطؤ "الدوران الانعكاسي للخط الأطلسي"، وهو نظام معقد لتيارات المحيطات ينظم الحرارة بين المناطق المدارية ونصف الكرة الشمالي.
حرّ دائم
و"يحتمل جدا" أن يستمر هذا التوجّه قرنا، وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التي تقدّر حتى أن الدوران الانعكاسي للخط الأطلسي قد يتوقف بشكل كامل، ما يتسبّب في فصول شتاء أقسى في أوروبا واضطراب الرياح الموسمية في إفريقيا وآسيا.
وأضافت الهيئة الأممية أن النظام المناخي بكامله "قد يسقط في حالة حرّ دائم".
قبل ثلاثة ملايين سنة، وهي المرة الأخيرة التي احتوى فيها الغلاف الجوي للأرض على نسبة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، كانت درجة الحرارة أعلى بثلاث درجات على الأقل مما هي عليه اليوم، وكان مستوى سطح البحر أعلى بمقدار 5 إلى 25 مترا.
ويقول أستاذ علم الأحياء القديمة في جامعة ليستر البريطانية يان زالاسيفيتش إن "مزيجا من الانبعاثات غير المنضبطة وانبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن ذوبان التربة الصقيعية والغابات إذا انعكست عملية احتجاز الكربون، قد تضعنا في مسار مماثل بعد ما يزيد قليلا عن قرن".
لذلك، فإن الحد من ظاهرة الاحترار "ليس خيارا اجتماعيا أو اقتصاديا بل هو حد فاصل كوكبي" لا يجوز تجاوزه، كما يقول العالم المناخي يوهان روكستروم الذي يضيف "إذا انتقل نظام الأرض من التبريد الذاتي إلى التسخين الذاتي، سنفقد السيطرة".
الكلفة الاقتصادي
في الوقت الحالي، لا تؤخذ الكلفة الاقتصادية لنقاط التحول في الاعتبار عند تقييم المخاطر المرتبطة بتغير المناخ، لكن البعض يريد ذلك، على غرار خبير اقتصاد المناخ في جامعة نيويورك غيرنوت فاغنر.
ويرى فاغنر أن "الكلفة الاجتماعية للكربون"، وهي القيمة النقدية للضرر الناجم عن انبعاث طن واحد من ثاني أكسيد الكربون، يجب زيادتها بنسبة 25 في المئة على الأقل للأخذ في الاعتبار احتمال حدوث تحولات مستقبلية.
ويريد البعض الاعتقاد بأن مفهوم الانهيار هذا قد ينعكس بطريقة أكثر إيجابية في مكافحة أزمة المناخ. وهذا ما يسميه الباحثون "نقطة تحوّل اجتماعي"، أي عندما تصبح حركة اجتماعية و/أو اقتصادية، غير قابلة للعودة أدراجها.