منذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وسؤالٌ يتصدّر الواجهة: هل تنسحب الولايات المتحدة الأميركية من سوريا؟
بحسب مجلة "ذا ناشيونال انترست" الأميركية، "بعد شهرين من مغادرة آخر جندي أميركي كابول، تقدم الإدارة الأميركية تأكيدات بأنه لن يكون هناك انسحاب أميركي من سوريا، حيث يشارك الأميركيون في "حرب لا هوادة فيها" أخرى".
وتشير المجلة إلى أن "هذه الوعود بالبقاء في سوريا تمثل خطأً استراتيجيًا فادحًا والتزامًا بمهمة غير مستدامة، مع عدم وجود هدف نهائي واضح يمكن تحقيقه"، معتبرة أن "الدفاع عن الأكراد على الارجح هو أحد العوامل الرئيسية وراء قرار الإدارة بإطالة أمد نشر حوالي 900 جندي أميركي متمركزين في سوريا. "
ظروف ميدانية أكثر تعقيدًا
في السياق، اعتبر المحامي نبيل الحلبي، في حديث لـ"جسور"، أن "الانسحاب الاميركي اذا ما حصل في سوريا سواء أكان كاملًا أم جزئيًا، بإمكانه أن يولّد العديد من المشاكل والنزاعات بين الجهات الإقليمية وأن يأخذ الوضع في سوريا نحو ظروف ميدانية أكثر تعقيدًا".
وتابع: "ذلك ان الولايات المتحدة، باعتبارها ضابط الايقاع الوحيد في هذا النظام العالمي الذي بدأت ملامحه تتشكل مع بداية الألفية الثانية، لا يمكنها ترك الشرق الاوسط بشكلٍ مفاجئ لمراكز القوى الاقليمية التي قامت الولايات المتحدة نفسها بتقويتها على مدار عقدين من الزمن".
وأشار الحلبي إلى أنّ "أي نظام اقليمي جديد يجب أن يبنى على قاعدة إعادة التوازن الطبيعي في الشرق الاوسط، وإعادة النفوذ الايراني الى ما قبل الاتفاق النووي الإيراني وقبل تمكن ايران وميليشياتها في العراق وسوريا".
من جهة ثانية، يرى الحلبي أن "الانسحاب الأميركي من سوريا، قد يدفع المجموعات الكردية المسلحة المنضوية تحت اسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى الارتماء بالكامل في حضن نظام بشار الأسد وروسيا، خوفًا من المواجهة مع تركيا وقوات الجيش الوطني السوري المدعوم من أنقرة.
وهذا يعني خلق ساحات نزاع جديدة تصّب نتيجتها أيضًا لصالح المحور الروسي والايراني الداعم لنظام بشار الأسد، وسيصيب المراهنين على الحل السياسي في سوريا بحالة إحباط، فضلًا عما ستتركه هذه النزاعات من آثار إنسانية وأفواج جديدة من الضحايا واللاجئين التي يصعب إحتوائها".
وختم: "إذا حصل هذا الانسحاب من دون ضمانات جدية لترتيب حل سياسي على قاعدة القرار 2254، ستصاب سمعة الولايات المتحدة الأميركية ومصداقيتها بالدرجة الاولى أمام غالبية الشعب السوري الراغب بالتحول الديمقراطي".
تناقض كبير
وتقول مجلة "ذا ناشيونال انترست": "بدلاً من استخدام القوات الأميركية كحامية لأكراد سوريا، سيكون من الحكمة إنهاء التدخل العسكري الأميركي في البلاد.
وصحيح أن المقاتلين الأكراد قاتلوا إلى جانب القوات الأميركية في إخراج داعش من أي أرض استخدمتها الجماعة الإرهابية ذات مرة للمطالبة بالشرعية، لكن اتخاذ الولايات المتحدة إجراءً حركيًا دفاعًا عن الأكراد ضد تركيا، حليف الناتو الذي يملك أسلحة نووية أميركية، أمر غير وارد.
وعلى الرغم من أن الأميركيين يمكن أن يكونوا ممتنين للمساعدة الكردية ضد داعش، إلا أنه من الجدير الاعتراف بأنه في حين أن المصالح تتوافق في بعض الأحيان، فإنها تتباعد أيضًا، وليس هناك سبب للاعتقاد بأن الأكراد، أو أي شخص غير أميركي، يستحقون الحماية الدائمة التي يوفرها الجيش الأميركي. إن المهمة المناهضة لداعش هي في الواقع تمثل تناقضاً كبيراً مع المهمة الحالية في سوريا".
وأضافت: "من جهة أخرى، دفع إعلان الولايات المتحدة عن "الانسحاب" من سوريا في عام 2019 الأكراد إلى عقد صفقة سريعة مع الحكومة السورية توفر لهم الحماية، ما يمكن أن نتعلمه من هذا هو أن الأكراد همهم البقاء والحصول على الحماية أكثر من اهتمامهم بمن يقدم تلك الحماية. ومن الممكن أن تشجع الولايات المتحدة القادة الأكراد على اتخاذ ترتيبات للحماية من دون توقع بقاء القوات الأميركية إلى الأبد".
وختمت: "نظرة عامة سريعة على علاقة الولايات المتحدة مع الأكراد تكشف عن تاريخ هذه البلاد في التخلي عن حلفائها. من المؤسف أن الوعود الأميركية الأخيرة للأكراد يمكن أن تساهم في ترسيخ هذا النمط. ومثلما اضطرت الولايات المتحدة في النهاية إلى الاعتراف بأن نشرها لجيشها إلى أجل غير مسمى في أفغانستان كان أمرًا غير مستدام، فسيصبح من الصعب إنكار أن الأمر نفسه يمكن أن يقال عن سوريا.
ويمثل الواقع بأن الاحتفاظ، حتى بنشر رمزي للقوات الأميركية في سوريا، يعرض حياة الأميركيين للخطر، ويزيد من حجم المخاطرة بجر الولايات المتحدة إلى صراعات يجب على القادة الحذرين السعي إلى تجنبها".