يتسارع مستوى الانحدار الاقتصادي والنقدي في لبنان، الذي يواجه أزمة اقتصادية خطيرة جداً، صنّفها البنك الدولي ضمن أكثر ثلاث أزمات حدّة في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وكشفت وكالة "بلومبيرغ" أخيراً، أنّ معدل التضخم السنوي في لبنان ارتفع إلى أعلى معدل في جميع البلدان متجاوزاً زيمبابوي وفنزويلا.
ففي حين يشهد لبنان، أسعاراً مختلفة للدولار مقابل العملة المحلية، ارتفعت أسعار السلع وانقطع بعضها من السوق، وشحّ توافر مواد المحروقات مع اقتراب الحكومة من رفع الدعم كليّاً عنها. في مقابل ذلك كلّه، لا خطة حكوميّة إنقاذية فعلية قادرة على التخفيف من حدة الأزمة الطاحنة.لبنان يسجّل أعلى معدل تضخم
وكشفت وكالة "بلومبيرغ"، في تقرير حديث لها، أن من معدل التضخم السنوي في لبنان، ارتفع إلى أعلى معدل بين جميع البلدان التي تتابعها الشبكة، متجاوزاً زيمبابوي وفنزويلا.
وبينت الشبكة الأميركية، أنه وفقاً لإدارة الإحصاء المركزي اللبنانية، فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 137.8% عن شهر أغسطس/ آب 2020، مقارنة بـ123.4% في يوليو، موضحة أن أسعار المستهلك ارتفعت بنسبة 10.25% عن الشهر السابق، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 20.82%.
ولفت تقرير "بلومبيرغ"، إلى أن "الليرة اللبنانية فقدت ما يقرب من 90% من قيمتها وأغرقت ثلاثة أرباع السكان في براثن الفقر، وبدأت السلطات في الأشهر الأخيرة في خفض الدعم، حيث يتم تسعير معظم المواد الآن بسعر الصرف في السوق السوداء".
وأضافت "بعد حوالي 13 شهراً من العجز، شكل الملياردير ورئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي حكومة جديدة تسعى إلى استئناف محادثات الإنقاذ المتوقفة مع صندوق النقد الدولي والدائنين لإعادة هيكلة الديون"، مذكرة بأن "لبنان تخلف عن سداد سندات دولية بقيمة 30 مليار دولار العام الماضي".
الحد الأدنى للأجور في لبنان يلامس 45 دولاراً
الباحث في الشركة الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، أوضح في حديث لـ "جسور"، أن "الحد الأدنى للأجور في لبنان محدد عند 675 ألف ليرة لبنانية، كانت قبل الأزمة تساوي 450 دولاراً . أما اليوم، يتابع "ومع تفلت سعر الصرف، فأصبح الحد الأدنى للأجور يساوي نحو 45 دولاراً (باحتساب سعر صرف الدولار في السوق السوداء اليوم بنحو 15 ألف ليرة)، بدخل أقل من الحد الأدنى للأجور في إيران المحدد عند 360 دولاراً، وموريتانيا حيث الحد الأدنى 111 دولاراً، وأقل من بنغلادش المحدد عند 95 دولاراً.
الخطر الأكبر، وفق شمس الدين، يكمن في "تدني قيمة رواتب العاملين في القطاع العام من مديرين عامين في إدارات الدولة الرسمية وأمنيين وحتى قضاة".
يواجه العاملون في لبنان، تدنياً هائلاً في رواتبهم التي فقدت قيمتها بالليرة اللبنانية مقارنة بالدولار. وفي حين تغلب التنافسية على رواتب موظفي القطاع الخاص، يمكن مقارنة رواتب موظفي القطاع العام قبل الأزمة وبعد الأزمة لتبيان الفروقات الكبيرة.
وعلى سبيل المثال، أصبح راتب المدير العام، يساوي نحو 300 دولار باحتساب سعر صرف 15 ألف ليرة للدولار الواحد، بينما كان في السابق على سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة للدولار يساوي 3 آلاف دولار. أما الراتب الأدنى في الدولة المقدّر بـ633 دولاراً قبل الأزمة، فبات يساوي حالياً نحو 63 دولاراً مع سعر صرف 15 ألف ليرة للدولار. الأمر نفسه، انسحب على رواتب القضاة والعسكريين وأساتذة التعليم الرسمي وأساتذة الجامعة اللبنانية.
اللبنانيون سيعانون في تأمين طعامهم
في هذا السياق، كان "مرصد الأزمة" التابع للجامعة الأميركية في بيروت، نشر في وقت سابق، تقريراً رصد فيه التضخم "غير المسبوق" الذي لحق بأسعار المواد الغذائية الأساسية في البلاد خلال شهر يونيو / حزيران 2021.
وقارن المرصد تلك الأسعار بمعدل وسطي لرواتب اللبنانيين، مقدماً نتيجة بالأرقام لتكلفة إعداد الأسرة اللبنانية لوجبة واحدة خلال النهار يحتمل أن تكون غداء أو عشاء.
وبحسب تقرير المرصد الذي اعتمد على جداول أسعار وزارة الاقتصاد والتجارة والتتبع الأسبوعي لها، فقد سجَّلت أسعار السلع الأساسية التي تحتاج إليها الأسر ارتفاعاً ملحوظاً، في الأسبوع الأخير من شهر يونيو/ حزيران، فقد ارتفع سعر زيت دوار الشمس (زيت القلي) بنسبة تخطَّت 1100% منذ صيف 2019، أي قبل حدوث الانهيار المالي والاقتصادي، فيما ارتفع سعر لحم البقر 627% والأرز العادي 545%. أما سعر البيض فقد ارتفع 450%، وتضاعف سعر اللبنة 275%.