من الواضح ان زيارة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي للعاصمة الفرنسية باريس، وجلسة "العمل" مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تكتسب أهمية استثنائية في مسار البلاد كونها ترسم بوضوح معالم "خريطة الطريق" لإمكانية اخراج البلاد من ازماته المتلاحقة. ومن اللافت ان الزيارة سبقها ترحيب من الاتحاد الاوروبي، الذي شجع على تنفيذ إصلاحات "عاجلة وجوهرية" في البلاد، حيث اشار حينها مسؤول السياسة الخارجيّة في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الى ان "البرنامج الذي أعلنته الحكومة الجديدة ينصّ على إجراءات مهمة للتعامل مع الأزمات المتعددة الأوجه".
فرنسا ستواصل دعم لبنان
وبعد استقباله ميقاتي في الاليزيه خرج ماكرون ليؤكد ان "لبنان يستحق أكثر من ذلك من أجل مستقبل شبابه ومسؤوليتكم تاريخية وسنساعدكم كي تنجحوا بالاصلاحات ووعدت بمعاقبة وإدانة المسؤولين عن تأخير تشكيل الحكومة". وتابع "سنساعد في البنى التحتية والطاقة ودعم الشعب اللبناني وعلى لبنان أن يطلق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والمضي في مكافحة الفساد". وأكد أن "فرنسا تستمر في مساندة عمل القضاء بطريقة حيادية فالشعب اللبناني يستحق الحقيقة في موضوع انفجار المرفأ وسنواصل دعمنا للبنان يداً بيد مع القوى الحيّة في البلاد وسنحشد القوى الدولية لتأمين المساعدات الملحّة". وأضاف "لن أترك لبنان وفرنسا لن تخذل لبنان لكن الطريق صعب والمهمة صعبة وأريد أن يعرف لبنان أنه يستطيع أن يعتمد على فرنسا".وعود ميقاتي الرنانة
بدروه رئيس الحكومة اللبنانية أكد في المؤتمر الصحافي المشترك مع ماكرون العزم على "تنفيذ الإصلاحات الضرورية والاساسية في اسرع وقت"، معلنا " ان فرنسا كانت ولا تزال الحليف الدائم والثابت للبنان" وقال:"كان لي الشرف والسرور بلقاء ماكرون الى غداء عمل عرضنا خلاله العديد من القضايا ذات الأهمية الكبرى لبلدينا. في الواقع، كانت فرنسا ولا تزال الحليف الدائم والثابت للبنان". وأضاف: اكدت لماكرون تصميم الحكومة على إجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، والتي ستسمح بتجديد الحياة السياسية التي يتوق إليها الشعب اللبناني الذي يعاني على الصعد كافة.المحطة الاولى
وحول ابعاد الزيارة يشرح المحاضر في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا، المستشار في المفوضية الأوروبية محي الدين الشحيمي، انها "دلالة صارخة على مرونة وبقاء المبادرة الفرنسية الثابتة الهدف بحلحلة الازمة في اللبنان والمتكيفة مع المشاكل والعراقيل اذ انها كالاسفنجة تمتص وتتفهم ولكنها لا تتراجع وتعصر غير المرغوب فيه والمعرقل مباشرة والعقوبات الاوروبية والفرنسية اشارة واضحة على ذلك رغم كل العواطف".
ويشير لـ "جسور" ان الزيارة فريدة من نوعها وخصوصا على مستوى الحياة السياسية اللبنانية لجهة تأليف الحكومات الجديدة وجولتها الاولى حيث درجت العادة لان تكون اولى المحطات عربية وسعودية تحديدا، ولكن هذه المرة سوف تكون فرنسية فهي تعبيد لطريق الحكومة الدولي من المدخل الباريسي، فالطريق السعودية لا تزال الى الان غير معبدة وميقاتي يعتمد على فرنسا في هذا الموضوع لفتح الباب وتذليل العقبات.
الانطباع الساخن
ولفت الشحيمي الى ان زيارة ميقاتيالى فرنسا سبقت فعاليات الجلسة الاولى للحكومة، ومن اهم النقاط التي برزت فيها "الحيثيات الكيفية والتقنية والعملية لاطار وشكل الوفد اللبناني واعضائه والذي سيتولى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مع ابراز فرنسي مقصود وواضح لما يسمى "الانطباع الساخن" والمناطق الحمراء لهذا الخصوص.
واشار الى انه على صعيد التقييمات والانطباعات لا يوجد اي تقييم شخصي او "نتائج لحظية" ولن يرشح شئ بمعزل عن العلاقات الشخصية، حيث تعتمد كل التقييمات حصرا على اداء الحكومة وادائها، لذا فلا دعم مباشر ولا منح جدية، الا بالحد الادنى فقط الاجتماعي والانساني والصحي غير السلطوي حتى، بانتظار ان ترشح مفاعيل الحد الادنى من الاصلاحات، مؤكداً ان الزيارة ليست كسر للجليد الخارجي فقط، بل انها تأكيد بان فرنسا موجودة وحاضرة وحاضنة وهي سوف تساعد لبنان والحكومة (اذا اثمرت وانتجت واوفت بعهدها) في كسر نموذج التجاهل السعودي وكسر حدته وتذليل عقبات العمق العربي من بوابة المملكة.
خارطة الطريق
واضاف انه ليس هنالك "شيك" مفتوح فكل الامور متوقفة على الاصلاحات وفق خريطة الطريق المتفق عليها في مؤتمر سيدر وانطلاقا من التفاوض مع صندوق النقد الدولي والتدقيق الجنائي وتحصين القضاء ومكافحة الفساد واستعادة الاموال الموهوبة قبل المنهوبة، وتأليف الهيئة الناظمة للطاقة والاتصالات، مع التشدد والتركيز على اهمية واولوية وافضلية الحفاظ واحترام الاستحقاقات الدستورية وضمان حصولها بوقتها.
كاشفاً ان "الموقف الفرنسي سيستمر قاسياً لجهة والمدة الزمنية المتاحة وكل الهوامش المتفرعة عنها وسوف يضع هذه الحكومة امام تحمل مسؤولياتها فلا فرصة جدية للتعافي ولا للتحسن او مجرد التفكير بالتحسن الا انطلاقا من تحمل الدولة مسؤولية الخسائر وليس بالتنصل منها ورميها على بنوك والمصارف، والامر بان ستضمن فرنسا استمرارية الاستفادة من ثغرات قانون قيصر لناحية الحاجة السيادية المصيرية لجهة استجلاب الغاز".