أبرز ما سجلته الانتخابات النيابية اللبنانية كان دخول كتلة جديدة تمثل التغييريين والمنبثقين عن انتفاضة "17 تشرين" (أكتوبر) الذين نجحوا في تحقيق خروقات على كامل الساحة الانتخابية في لبنان، رغم التوقعات والإحصاءات التي قللت من حظوظهم.
لوائح التغيير والمستقلين فازت بـ 14 مقعداً، لتتقارب بذلك مع أبرز الكتل النيابية التي حصدتها الأحزاب التقليدية، وهو ما سيمنحها قدرة كبيرة على التأثير داخل البرلمان المقبل، حيث من المتوقع أن يكون المستقلون بيضة القبان في أي تصويت.
تغييرات جذرية
تلقت الأحزاب السياسية التقليدية ضربات موجعة من القوى التغييرية التي نجحت بحصد مقاعد نيابية عدة، اذ حققت لائحة قوى التغيير في بيروت الثانية التي يرأسها المهندس إبراهيم منيمنة انتصاراً بثلاثة مقاعد.
المفاجئة الكبرى كانت في الشوف-عاليه، فقد إخترقت قوى التغيير الجدار النيابي وحصدت ثلاثة مقاعد بعدما نالت لائحة توحدنا للتغيير 42 ألف صوت. وتصدر المستقل مارك ضو قائمة توزيع المقاعد على باقي المرشحين . أما لائحة الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط وحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع فتراجعت أصواتها وخسرت مقعدين فيما سقطت زعامة الامير طلال ارسلان وحال الحاصل دون وصول رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب الى الندوة البرلمانية.
أما دائرة بشري فشهدت مفاجأة من العيار الثقيل، اذ خسرت القوات اللبنانية مقعداً نيابيا في عرينها، مكان النائب السابق جوزيف إسحاق، وذهب المقعد لصالح المرشح وليم طوق.
تغيير لافت آخر هو السقوط المدوي للائحة "صيدا وجزين معا"-للتيار الوطني الحر، اذ لم تستطع تأمين حاصل انتخابي بسبب ما تردد عن خلافاته داخلية بين النائب زياد أسود والنائب السابق أمل ابو زيد تفجرّت في الانتخابات.
رياح التغيير لفحت في الجنوب أيضا، حيث نجحت لائحة التغيير بخرق لائحة الثنائي الشيعي، بمقعدين، فاز بهما فراس حمدان والياس جرادة، مقابل خسارة مرشح الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، المدعوم من حزب الله والمقرب من النظام السوري.
خسارة حلفاء حزب الله انتقلت من الجنوب إلى البقاع الغربي، وذلك مع خسارة المرشح إيلي الفرزلي لمقعده النيابي، بعدما كان نائبا لرئيس مجلس النواب اللبناني.
تأقلم الأحزاب
وفي قراءة تحليلية للتغيرات التي طرأت على المشهدية اللبنانية، أشار الدكتور في العلاقات السياسية الدولية في جامعة باريس خطار أبو دياب في حديث لـ"جسور" الى أن "الاغتراب لعب دورا بارزا في الاستحقاق الانتخابي وساهم بشكل كبير في إيصال القوى التغييرية الى الندوة البرلمانية."
وأضاف "انتخابات 2022 كانت فريدة من نوعها لأنها أوصلت للمرة الأولى 14 نائبا مستقلا الى البرلمان وأسقطت رموزا سياسية تقليدية وحققت خسائر شتى في صفوف الأحزاب السياسية، رغم سوء القانون الانتخابي وعدم توحد الكتلة المستقلة."
واستطرد ابو دياب قائلا" الحزب الذي لن يتأقلم مع القوى التغيبرية ستبتلعه عواصف التغيير، أصبحنا بحاجة الى تغييرات في مفهوم الأحزاب في لبنان لتتحول الى أحزاب عصرية وديمقراطية بعيدة كل البعد من المحاصصة والفساد".
زمن التغيير
وعن الضبابية حول المرحلة المقبلة، اعتبر ابو دياب ان" البلاد تمر بمرحلة مفصلية، لكن الأهم هو توحد القوى التغييرية كافة ووضع خطط انقاذية لانتشال البلاد من الازمات الراهنة".
وشدد على أهمية " أن يكون النواب منتجين بهدف تحقيق تغييرات جذرية على الصعد كافة، وكي يتضاعف عددهم في الانتخابات المقبلة في حال تمكنوا من اقناع الناس".
انتخابات استثنائية
انتخابات 2022 هي الأولى بعد انهيار اقتصادي صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850 وبات معه أكثر من 80 بالمئة من السكان تحت خط الفقر وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها أمام الدولار، ولامس معدل البطالة نحو ثلاثين بالمئة، وبعد احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد السلطة، وبعد نحو عامين على انفجار الرابع من أغسطس/آب 2020 الذي دمر جزءا كبيرا من العاصمة بيروت وأودى بأكثر من مئتي شخص وتسبب بإصابة أكثر من 6500 آخرين.