كتب بديع يونس في جسور:
واجب على كل مراقب سواء أيّد سياسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بحماس، أو لديه ملاحظات عليها، أو يرفضها من باب المزايدة أو رفضا كاملا لما تكتنفه من تطوير وتحديث وإصلاحات من خلفية محافظة جدا، أن يطرح تساؤلا مشروعا فحواه: هل يمكن للقيادة السعودية أن تنجز الاصلاحات الهائلة ضمن رؤية 2030 من دون مواكبة الشعب السعودي لمتطلباتها؟
واستطرادا، هل القدرات البشرية المتوفرة حاليا أو تلك التي ستتوفر في المستقبل القريب، مهيأة لمواكبة هذه الخطة وقادرة على تلبية احتياجاتها؟
وأكثر استطرادا، كيف توفر رؤية 2030 الأرضية العملانية لإنماء القدرات البشرية وتطويرها لتتوافق مع التغيير العميق الذي يحدث داخل المجتمع السعودي، لتلبي حاجة سوق العمل الهائلة للكادرات النوعية المتخصصة (الصناعي والتكنولوجي والتعليمي والأبحاث النووية والكهربائية والطاقة المتجددة وأسواق المال والتطوير الحضري وصولا لما يسمى بالمدن الذكية)؟
عند التدقيق بتفاصيل ما تعتمده رؤية 2030 تكمن الإجابات.
التربية والتعليم
يسعى برنامج 2030 إلى أن يمتلك المواطن قدراتٍ تمكنه من المنافسة عالمياً، من خلال تعزيز القيم المادية والأخلاقية، وتطوير المهارات الأساسية ومهارات المستقبل، وتنمية المعارف. يركز البرنامج على تطوير أساس تعليمي متين للجميع، وتحضير الشباب لسوق العمل المستقبلي المحلي والعالمي، وتعزيز ثقافة العمل لديهم، وتنمية مهارات المواطنين عبر توفير فرص التعلم مدى الحياة، ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال. يأتي إنشاء برنامج تنمية القدرات البشرية كأحد البرامج المستحدثة لرؤية المملكة 2030، سعياً لتطوير قدرات جميع مواطني المملكة، ولتحضيرهم للمستقبل واغتنام الفرص التي توفرها الاحتياجات المتجددة والمتسارعة.
شهدت منظومة تنمية القدرات البشرية في المملكة العديد من الإنجازات أهمها استمرار العملية التعليمية رغم ظروف جائحة كورونا. تم تدشين العديد من المنصات الرقمية مثل "الروضة الافتراضية" و"مدرستي" وإطلاق وتفعيل الفصول التفاعلية التي تستخدم كوسيلة داعمة لإيصال المحتوى التعليمي للطلبة.
كما شهدت منظومة البحث والتطوير والابتكار قفزات في عدد المنشورات البحثية وتعزيز الشراكات البحثية العالمية. وقد حققت المملكة المركز الرابع عشر عالميا في عدد الأبحاث المنشورة الخاصة مثلا بجائحة كورونا.
تضع رؤية 2030 كل الامكانيات المادية الضرورية لتأمين العلم الإلزامي، وعلى أن تتنوع المواد التعليمية وفقا للرغبات عند بلوغ الأبناء قدرتهم على الاختيار. فتتنوع الاختصاصات والمواد وفقا للحرية الشخصية وحرية الإنسان وحقه في اختيار علمه واختصاصه ومجال عمله. فيؤدي التنوع في العلم الى تلبية حاجات مختلف القطاعات البشرية مما يسد النقص والحاجة إلى استيراد الاختصاصيين وبالتالي الحد من اخراج الرساميل الوطنية إلى خارج البلاد.
بفضل الرؤية وما تضعه من إمكانيات مادية يمكن تهيئة بيئة تساعد على تنمية المهارات ومواصلة الاستثمار في التعليم والتدريب، وقد وصل عدد الجامعات والكليات إلى 63 جامعة وكلية في الوقت الذي بلغت فيه البحوث العلمية المنشورة 33,588 بحثًا مقارنة ب 15,056 بحثًا في الأعوام السابقة بنسبة زيادة وصلت إلى 223 % . كما سجلت نسبة الالتحاق بروضات الأطفال ارتفاعًا ملموسا حيث أصبحت 23 % بعد أن كانت 13%.
وإلى جانب التعليم يتولى الإعلام الواعي المساهمة في التوعية العامة لا بل في مشاركة العائلة والمنزل في الإعداد المسؤول لتربية النشأ وتوجيهه نحو دروب الحياة العملية والمعتدلة.
ولا بد في هذا الإطار من التأكيد على أن التربية الدينية والروحانية الصحيحة التي يكتنفها الدين الإسلامي والتي هي من جوهره، تساهم في خلق القدرات البشرية السليمة المؤمنة بالصالح وبالخير فتدرأ خطر التطرف وخطر الارهاب، لا بل تساهم في الحفاظ على الملكية العامة والخاصة، وتوجه الاجيال نحو اسواق العمل التي تتطلبها رؤية 2030 .
الاستثمار بالقدرات البشرية ضمن رؤية 2030 لا يتوقف على التعليم والتربية بل يمتد إلى مجالات أخرى، في أجزاء لاحقة من هذه السلسلة.