كتب بديع يونس في جسور:
عند كل مفترق، يظهر المنتقدون ممن يرون النصف الفارغ في الكوب. لا يقرون بالتغييرات والتحديث ويفتحون ملفات بداعي الانتقاد وعلى رأسها "لم لا تتبنى السعودية الملكية الدستورية"؟ فعلى وقع الإصلاحات والتغيير الجوهري في الحياة السعودية العامة، لا يتبنى ولي العهد مفهوم "الملكية الدستورية"، ولا يعتقد أن السعودية ستتبنى هذا المفهوم مؤكدا أن الملكية الدستورية لن تنجح في السعودية. بأي حال مرد هذا الرفض لمجموعة أسباب داخلية فما هي تلك الأسباب؟ وهل نظام الحكم يشكل فارقاً عندما يكون الحكم عادلا؟ كم من ديمقراطية وأنظمة قائمة في دول غير مهيأة لها يدفع شعبها ثمن مفاهيم أُسقطت عليهم من العراق إلى لبنان إلى دول أخرى؟
الجواب جاء لولي العهد السعودي في مقابلة طويلة لمجلة "ذي اتلانتيك" بتاريخ 3 مارس/ آذار 2022 وأثارت تفاعلا كبيرا إذا يقول الأمير محمد بن سلمان إنه " قد تم تأسيس السعودية على الملكية المطلقة، الآلاف من الأنظمة تحتها من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر، وكذلك الأسرة المالكة السعودية التي أمثلها، والشعب السعودي الذي أمثله، فهذه الآلاف من الأنظمة يعتبر ملك المملكة العربية السعودية هو قائدها وهو من يحمي مصالحها". ويتباع ولي العهد السعودي قائلا إنّ عدد هؤلاء المشار إليهم هو بين 13 إلى 14 مليون سعودي من أصل 20 مليون سعودي تقريبًا، لذا لا يمكنني شن انقلاب على 14 مليون مواطن سعودي".
في هذه الجزئية يبدو الجواب منطقيا حتى بشقه القانوني. فالدساتير والقوانين الوضعية وضعها البشر لتترتيب شؤون حياتهم وإذا كان 70% من الشعب السعودي جزء من الملكية المطلقة واختاروها ويختارونها كل يوم، فعلي أي أساس يأتي التغيير؟ هل سيأتي لإرضاء الدولة تلك أو المنظمة أو تلك؟! هذه مسألة مرفوضة أقله سعودياَ!
في الإتجاه نفسه فإنّ السعودية كـ"ملكية مطلقة"، لا تعني أن الملك يمكنه أن يفعل ما يحلو له بل هناك نظام أساسي للحكم في السعودية وينص بوضوح بوجود 3 سلطات: الأولى، هي السلطة التنفيذية، التي يقودها الملك كرئيس لمجلس الوزراء، أما السلطتين الأخريين فالقضائية والتنظيمية . لا يقودهما بل يقوم بتعيينهما. وهنا يفسر ولي العهد في مقابلته المشار إليها قائلا: "إليكم مثال عن طريقة اتخاذ القرار، فقد أردنا السماح للمرأة بالقيادة منذ عام 2015، لكننا لم نستطع القيام بذلك قبل 2017، وهذا يوضح كيفية العمل وفق القوانين والنظام الأساسي للحكم". يتابع الأمير محمد بن سلمان: "لو أدرنا شؤون البلاد بعشوائية فهذا يعني أن الاقتصاد بأكمله سينهار، ولن يستثمر أحد في السعودية، والسعوديون لن يؤمنوا بنا".
قبل 600 سنة وصلت الأسرة الحاكمة اليوم إلى السعودية. أسسوا "الدولة" قبل 300 عام. السعودية دولة ملكية ، أقيمت وتأسست على هذا النموذج. تحت هذه الملكية هناك نظام معقد يتكون من أنظمة قبلية من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر.
يؤكد ولي العهد السعودي قائلا: "رؤيتنا لبلادنا التي نريدها دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام، ومنهجها الوسطية، تتقبل الآخر. سنرحب بالكفاءات من كل مكان، وسيلقى كل احترام من جاء ليشاركنا البناء والنجاح".
وعندما طرح عليه السؤال ألآتي: "معنى الكلام إنك لا تستطيع التحرك بوتيرة سريعة؟" كان جواب ولي العهد لمجلة "ذي أتلانتيك": "أقول إنني لا أستطيع تغيير السعودية من ملكية إلى نظام مختلف، وذلك لأن الأمر مرتبط بملكية قائمة منذ ثلاث مئة سنة، وقد عاشت هذه الأنظمة القبلية والحضرية التي يصل عددها إلى 1000 بهذا الأسلوب طيلة السنوات الماضية، وكانوا جزءًا من استمرار السعودية دولة ملكية. من بين أفراد العائلة المالكة، هنالك أكثر من خمسة آلاف فرد من عائلة آل سعود. وأعضاء هيئة البيعة اختاروني لكي أحمي المصالح الخاصة بالملكية، وتغيير هذا الأمر يعتبر خيانة لأفراد عائلة آل سعود، وكذلك خيانة للقبائل والمراكز والهجر وانقلابًا عليهم" . لكنّ الأمير محمد بن سلمان يتابع مشيدا بالدور والدعم الذي يلقاه منهم قائلا: "كل هذه المكونات تساعد على إحداث تغيير في السعودية، ولهذا فإنني لا أعتقد أنهم هم من يتسببون في إبطاء وتيرة التغيير، بل هم الأدوات التي تساعدني على القيام بالمزيد".
بالخلاصة تسير المملكة وفق رؤية 2030 التي وضعها ولي العهد السعودي باتجاه التغيير المنشود بالتحديث والتقدم أما بشأن نظام الحكم فوحدهم السعوديون من يقررونه!