كتب خالد العزي في جسور:
على اثر الخلاف المتصاعد بين روسيا والاتحاد الأوروبي بسبب ضخ الغاز إلى أوروبا المرتبط بالعقوبات الغربيّة، فقد ارتفعت أسعار النفط فوق الـ 120 دولارا للبرميل. وإذا استمر الاتجاه التصاعدي في سوق الذهب الأسود، فإنه سيهدّد بتقليل استقرار الاقتصاد العالمي، والنمو غير المنضبط للتضخّم العالمي. وقد تم التعبير عن هذا الرأي مؤخرًا من قبل المزيد والمزيد من الخبراء الموثوقين.
بينما وصفت المفوضيّة الأوروبية إغلاق "نورد ستريم1" بأنه مثير للسخرية، وأن قرار الإيقاف حتى يتم إصلاح المعدّات بالكامل هو دليل على "عدم الثقة بروسيا كمورد للغاز"، بل تحاول موسكو استخدام الغاز مجددًا سلاحًا للضغط على أوروبا، وتفضل روسيا حرق الغاز في مشاعل للوفاء بالتزاماتها التعاقدية.
بينما أعلنت شركة غازبروم بحسب صحيفة كومير سانت الرّوسية أن "نورد ستريم1" سيتوقف حتى يتم إصلاح المعدات بالكامل، حيث أن الأعطال المكتشفة لا تسمح بالتشغيل الآمن لمحرك التوربينات الغازية إي" الغاز مقابل فك العقوبات".
وبالمناسبة تم إيقاف خط أنابيب الغاز في 31آب/أغسطس الفائت، وكان من المفترض أن يتم تشغيله بتاريخ 3 أيلول/سبتمبر الحالي، لكن الأوساط الروسية تتهم عقوبات الغرب بإيقاف التصدير نتيجة الأعطال التي لا تسمح لشركة الصيانة تفقّد الخط وصيانته، مما يهدد الإمداد.
وبحسب ووكالة "رويترز"، فقد لاحظت شركة سيمنز للطاقة، والتي تعمل توربيناتها الإنتاجية في "نورد ستريم1"، من خلال رسالة شركة غازبروم بشأن إغلاق خط أنابيب الغاز، أنه ليس سببًا مقلقًا لوقف تشغيل الخط.
وعادة لا تؤثر مثل هذه التسريبات على عمل التوربينات، ويمكن إصلاحها في الموقع. هذا إجراء روتيني متضمَن في أعمال الصيانة.
وقال متحدّث باسم الشركة إن حدوث مثل هذه التسريبات في الماضي لم يؤد يومًا إلى توقف الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت شركة سيمنز أنها لا تشارك في الإصلاح، لكنها مستعدة للانضمام إليه.
وهنا يطرح السؤال المهم على مجمع الوقود والطاقة الروسية: هل يمكن استمرار ضخ الطاقة بدون معدات أجنبية؟
وفقًا للخبراء الروس يجب استبدال المعدات التي تُشترى من الاتحاد الأوروبي بمعدات آسيوية، على الرغم من أنها قد تكون الأسوأ من حيث الجودة.
ويقول ألكسندر فرولوف، نائب المدير العام والمحلل في المعهد الوطني للطاقة "لقد تعلمت الشركات الروسية في السنوات الأخيرة إنتاج المعدات اللازمة لإنتاج النفط والغاز ومعالجة المواد الخام". إذا لا يقتصر قطاع النفط والغاز في روسيا على ثلاث شركات فقط!
أما بالنسبة لمعدّات خدمة حقول النفط، فقد منعت الولايات المتحدة الشركات من إمدادها لروسيا منذ ثمان سنوات. لكن الشركات المصنعة الأجنبية وجدت طريقة للالتفاف على العقوبات، نقلوا إلى أقسام أخرى من الموظفين الأمريكيين والأوروبيين الذين عملوا في روسيا، وتم إنشاء شركات صغيرة جديدة بين روسيا وأخرى أجنبية، وعملوا على إنشاء فروع جديدة لم تفرض عليها عقوبات.
وعلى الرغم من أن وزارة المالية الأمريكية فرضت غرامة على إحدى الشركات التابعة لشركة خدمات حقول النفط "شلمبرجير" لتزويدها بمعدات للشركات التابعة لشركة "غازبروم" بمبلغ مليون دولار وأربعمائة ألف دولار.
وبحسب وثيقة الاتحاد الأوروبي، يمكن المشاركة في مشاريع الطاقة خارج روسيا، إذا كانت الشركات التي تم فرض عقوبات عليها من المساهمين الأقلية. وهذه ثغرة للشركات الروسية لإجراء عمليات شراء من خلال الهياكل التي تشارك فيها.
لذلك يجب على الشركات الروسية أن تتوقع أسوأ السيناريوهات، ولديهم الوقت لإكمال الصفقات، ولذلك تبقى الخيارات مفتوحة.
فالروس يصرّحون بأنه لا توجد مشاكل حرجة، و(سنتغلب على كل شيء). الصين بحاجة إلى مواردنا، وكذلك الهند وفيتنام، والعديد من الدول الأخرى. حتى كوريا الجنوبية لا تفرض عقوبات علينا ".
في المحصلة فإن أكبر شركات النفط والغاز الرّوسية تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي لكن أوروبا ستستمر في شراء الموارد الطبيعية من روسيا، بما في ذلك الهيدروكربونات وبعض أنواع المعادن.
لقد قرّرت أوروبا فرض عقوبات على شركات الطاقة الروسية، أي الشركات الثلاث "روسنفت، غازبروم نفت وترانسنفط". بالرغم من أن الوثيقة الأوروبية تقول إن القيود الغربية لا تؤثر على استيراد النفط والغاز والفحم ونقل الموارد، وتوريد التيتانيوم والألومنيوم والبلاديوم والمعادن الأخرى وخام الحديد. المحظورة، من أجل إعطاء الوقت لإكمال العقود الحالية.
وبحسب خبيرة السياسات الخارجية والأمنية الروسية سبينا فيشر فإن الغرب فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة ضد روسيا وهذه العقوبات بدأت تؤتي ثمارها، وسيكون انعكاسها السلبي على الانتاج الصناعي والاستهلاكي للوضع العام الروسي. فالعقوبات تستهدف مستقبل الاقتصاد الروسي، فعلى المدى القصير تخلق العقوبات ما يضعف الغرب فتستخدمه روسيا وهذه أمور عادية.
ومن الملاحظ بأن أوروبا تستخدم البروباغندا الرّوسية بوقف إمداد الغاز لترشيد الإنفاق لدى المواطنين، وتحضير رأي عام أوروبي يصر على تقديم الدعم الكامل لاوكرانيا في حربها ضد روسيا لأن أوروبا لن تموت بردا كما يشاع، وهناك احتياطات كبيرة بات يحكى عنها في فرنسا وألمانيا، فالاتحاد الاوروبي قرر المواجهة والوقوف بوجه روسيا.
لقد أصبح التصعيد سيّد الموقف، وكأن لعبة عضّ الأصابع هي التي تفرض نفسها على المشهد. الجميع أمام شتاء صعب تنتظره اوروبا، وروسيا تلعب معه بقسوة. ولكن بعد الشتاء، سيكون موقف ما من الاقتصاد الروسي!