كتبت مايا هاشم في جسور:
بعد شهرين ونصف الشهر من اطلاق شرارة الاحتجاجات الشعبية في ايران، إثر مقتل الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني على يد “شرطة الأخلاق” في البلاد، أعلن المدعي العام الإيراني حجة الإسلام محمد جعفر منتظري حل ما تُعرف بـ "شرطة الأخلاق" من قبل السلطات المختصة.
خطوة اتخذتها السلطات في إيران تفادياً لوقوع ما لا تُحمد عقباه، إذ تُعتبر "شرطة الأخلاق" ركناً أساسياً من أركان النظام في إيران، ومسألة حلّها تعني أن النظام قلقٌ وفي وضعٍ لا يُحسد عليه، فهو تنازل عن ركيزةٍ يعتمد عليها وتمثّل الدعاية الفعلية له لتجنّب حدوث الأسوأ، بين مدى جدّية قرار حلَّ "شرطة الأخلاق" من عدمِه أو اعتباره عملاً تكتيكاً من قبل النظام لإنهاء الاحتجاجات، تفرض الأخيرة سلسلة من التنازلات التي لم تكن بالحسبان من أجل إخماد تظاهرات أرهقت السطات وخرجت عن سيطرتها.
مهادنة على وقع التغيير
تحت وطأة عجز السلطات في إيران عن قمع الاحتجاجات التي طالت كبرى المدن في البلاد، تحاول السلطات مهادنة المحتجين وتهدئة نفوسهم بالرضوخ إلى جزء من مطالبهم، بجعل "شرطة الأخلاق" ذات مفعولٍ رجعي، ولم يقتصر الموضوع على ذلك بل تعدّى الأمر إلى مراجعة البرلمان والسلطات القضائية قانون الحجاب الإلزامي للنساء الإيرانيات المعمول به منذ عهد آية الله الخميني عام 1983.
الحجاب رمز ديني أم سياسي
بعيدا من المسألة الفقهية للحجاب، يُعتبر الأخير خياراً شخصياً تتخذه المرأة المسلمة بنفسها، لكنّه في إيران يُعبِّر عن رمز من رموز الدولة وسياستها الداخلية، كذلك بالنسبة للرجل، إذ تمنع السلطات في إيران ربطة العنق على اعتبارها غزواً ثقافياً غربياً للمجتمع الإيراني. واعتبر المجتمع الإيراني كارن خانلري، المُرشّح عن المسيحيين الأرمن بطهران، بأنه كسر المحظور أثناء الترويج لحملته الانتخابية في فبراير 2016 إذ ظهر مرتديا ربطة عنق، ما يعتبرها النظام من المحظورات، مع العلم أنه تم تسجيل خروق أخيراً لا بأس بها في هذا الموضوع، لكنها على مستوى خجول، ولا تزال محط انتقاد من المجتمع الذي فرض عليه النظام سلسلة محظورات .
شرطة تحت المراقبة الدولية
منذ تولي الرئيس إبراهيم رئيسي زمام الحكم في إيران 3 أغسطس/ آب 2021 شرعت "شرطة الأخلاق" بتكثيف وجودها في كبرى المدن داخل البلاد، إذ عمد التيار المتشدد لدى وصوله سُدَّة الرئاسة الى تفعيل عمل "شرطة الاخلاق"، في المقابل قلل الإصلاحيون من دورها لدى وصولهم إلى الحكم. إلّا أن موت الشّابة مهسا أميني وضع "شرطة الأخلاق" تحت المراقبة الدولية وفتح العيون على ممارساتها ودورها وأفعالها، إضافة إلى السخط الشعبي الداخلي عليها.
هل فات الأوان على الإصلاحات؟
قادت النساء في إيران التظاهرات الحالية لرفض واقع اجتماعي فرضته عليهن السلطات، لكن الاحتجاجات لا تتوقف على المطالبة فقط بتغيير واقعهن، بل توسعت لتشمل المطالبة بتغيير جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وانخرطت في التظاهرات شرائح وقطاعات عديدة من المجتمع الإيراني. فالمسألة لم تعد تتمحور حول إلزامية ارتداء حجاب أو السماح بخلعه، أو حتى تفعيلٍ مِن مسألة حلٍّ "لشرطة الأخلاق"، بل الأمر تعدّى ذلك، ناهيك عن العقوبات الدولية والضغوط الاقتصادية التي تحيط بإيران، وربما إلى نقطة يجد النظام نفسه أمام ناقوس خطرٍ يحيط به من كافة الاتجاهات الداخلية والخارجية، وأن قطار الإصلاحات قد فاته.