كتب كارلوس نفاع في جسور:
سياسة إدارة بايدن تجاه سوريا تشبه الجراحة المجهرية المرتكزة على محاربة تنظيم داعش الإرهابي المهزوم إلى حد كبير ، لكن بعض المراقبين يقولون إنها تبدو قصيرة النظر عندما يتعلق الأمر بالتركيز على التهديد المتزايد من كل من إيران وروسيا والذي يمكن أن يقود لمزيد من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
عايشت الحرب في سوريا ثلاث إدارات أميركية، من إدارة الرئيس باراك أوباما إلى إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي أُطلقت يد الروس في عهده فحققت حلم القيصر في المياه الدافئة للمتوسط، و صولا اليوم إلى إدارة الرئيس بايدن التي لم تضع الاستقرار في سوريا على رأس أولوياتها كسابقاتها من الإدارات . ولكن عدم الاستقرار في سوريا له تداعيات شبيهة بإنتشار الاوبئة المدمرة .
الحرب السورية تسببت و مازالت في موجات من الهجرة ،أدت إلى اضطرابات سياسية في أوروبا ،فتعاظمت الحركات القومية من جديد تحت شعارات مناهضة للاجئين، وآخرها انتصار اليمين المتطرف في السويد .
ما يحدث في سوريا لا يبقى هناك ، فالعولمة بكل أشكالها حتى العسكرية فتحت الحدود و لم يعد بالإمكان عزل مناطق الأزمات وحصر أضرارها .
لكن وجود ما يقرب من 900 جندي أميركي ، بما في ذلك ، في سوريا يؤكد عدم أولوية هذه الأزمة .
أسباب عديدة لضرورة هذا الوجود ألاميركي الدائم في سوريا
أولها التماس مع المنظمات الإرهابية و مراقبتها وفهم ديناميتها يليها ضبط الولايات المتحدة ، ايقاع روسيا و إيران و تركيا في المنطقة التي تحتل مكانة استراتيجية خاصة لكونها تحتوي على مخزون ضخم من الغاز والنفط إضافة إلى أنها نقطة لعبور أنابيب الطاقة و الاهم وجودها على خارطة الحزام والطريق الصينية التي تسعى الولايات المتحدة لكبحها انطلاقاً من أهميتها الجيوسياسية فمن يحكم سوريا يقول الكثير في الشرق الأوسط .
لهذا وبعد ١١ سنة من الحرب هل فتحت إدارة بايدن باب التفاوض عبر الامارات مع النظام السوري لاعادته من جديد إلى الحضن العربي و خلق ميزان جديد للقوى في المنطقة عبر سوريا و خاصة أن سوريا تشكل شريان إيران الوحيد الى البحر المتوسط ، فهي الجسر البري الأهم الذي سيصلها عبر سكك حديد تجارية بالغة الأهمية
فقد أعلن وزير النقل الإيراني "محمد إسلامي" عن اقتراب تنفيذ مشروع سكة حديد تربط ميناء "الخميني" على الخليج العربي في الجانب الإيراني مع ميناء اللاذقية السوري مروراً بمدينة البصرة العراقية . ويعد هذا السماح لإيران أن السيطرة على خط سكة حديد بهذا الحجم وأهميته أمرًا مهمًا من الناحية الاستراتيجية ليس فقط لإسرائيل ، ولكن للاستقرار الإقليمي الذي يؤثر على المصالح الأوروبية وحتى على حركة حلف الناتو.
فلا يمكن للأميركيين أن يتخلوا حالياً عن نقطتي التحكم المهمتين في سوريا : الشمال الكردي (منطقة عمليات الفرات) ، وأساساً مناطق سيطرة قوات الدفاع السورية ، ومنطقة الحدود الثلاثية بين المملكة الأردنية وسوريا والعراق. وتحديداً ، القيادة المركزية الأمريكية ، التنف فأهمية هاتين النقطتين تكمن حالياً بأنها العائق الأساسي أمام الربط المطلق لخط إمداد حر من طهران عبر العراق إلى سوريا ولبنان".
و في غضون ذلك ، قدم وزير الدفاع الإسرائيلي ، بيني غانتس ، يوم الاثنين ، متحدثًا في مؤتمر جيروزاليم بوست في نيويورك ، خريطة تظهر أكثر من 10 منشآت في مصياف ، شمال غرب سوريا ، تستخدمها إيران لتصنيع صواريخ متطورة وأسلحة أخرى لوكلائها. وقال إن المنشآت تشكل تهديدا كبيرا لإسرائيل والمنطقة.
كما و يشعر المتضررون من احتمال الاعلان عن الاتفاق النووي الإيراني بقلق عميق بأن النظام الإيراني سوف يستخدم أموال تخفيف العقوبات لضخ الأموال في خزائن نظام الأسد وتعزيز الإرهاب في سوريا ضد القوات الأمريكية.
فهل هي مخاوف انتخابية تنتهي في تشرين الثاني مع صدور النتائج في اميركا كما في اسرائيل ؟
الواضح ان المشرعين الديمقراطيين كما الجمهوريين حولوا جلسة تقديم روبرت مالي تقريره حول المفاوضات مع إيران إلى شبه استجواب لتحميله مسؤولية تراخي طهران ، التي أصبحت طبقا شهيا على مادة الانتخابات التشريعية القادمة .
بالتوازي يبدو أن البركة البريطانية هذه المرة ليست بعيدة عن النشاط الديبلوماسي الخليجي من اليمن إلى سلطنة عمان إلى بغداد ، فلا يمكن أن نسقط من المشهد الحوار السعودي الايراني المستمر بهدوء على طاولة بغداد فهل هو تمهيد لتبديد المخاوف من الاتفاق المزمع إعلانه رغم كل الضبابية المحيطة به ؟ أو أنه ضبط إيقاع بريطاني لكبح انهيار الهيكل على الجميع في المنطقة ! وهل لزيارة الأمس لمدير المخابرات التركية إلى نظيره في دمشق هي ضمن إطار التهدئة ولا تتعدى التنسيق الأمني لضبط معارضي ادلب والاكراد ؟ ام أنها للتنسيق حول طروحات حل سياسي يضمن وحدة الأراضي السورية عبر لبننتها .