كتب طارق أبو زينب الإعلامي المتابع للشأن الخليجي والعربي في جسور:
حدث تاريخي شهدته المنطقة هذا الاسبوع سرق أنظار العالم حيث حلّت القمم السعودية الخليجية العربية الصينية كالمطر على القلوب المتصحرة وبعثت الأمل في نفوس الشعوب العربية المتعطشة للحياة الكريمة والعدل والنمو والاستقرار والرخاء،
القمم هي الأولى من نوعها برسالة فارقة في مسار التعاون التاريخي بين السعودية والصين، كونها تعكس عزم الجانبين على تطوير علاقاتهما الممتدة منذ قرون، فضلاً عن تمتين الشراكة الاستراتيجية والوصول بها إلى نقلة نوعية تؤسس لمرحلة متطورة من التعاون والتكامل الإقتصادي والتنسيق الدبلوماسي في عالم يستعد لنظام دولي جديد .
أنظار العالم على قمم الرياض
إنعقدت ثلاث قمم في الرياض منها " قمة السعودية الصينية " برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الصيني ،شي جين بينغ، ومشاركة صاحب السمو الملكي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز مهندس رؤية 2030 والذي يتمتع بالذكاء والفطنة، والحنكة، والحكمة ، ويمثل العقلية الناضجة الشابة ، والعزيمة ، والإرادة النافذة، والشجاعة والإقدام، ولذلك يحسبون لخطواته وكلماته ألف حساب، يستقبلونه استقبال القادة الكبار.
وفي المشهد الأبرز، أصبح للمملكة العربية السعودية تأثير عالمي سريع ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل على المستوى الدولي وعلى كل الأصعدة فهي من الدول الأبرز التي سجلت ميزانيتها لعام 2023 فائضا بنحو 4.2 مليارات دولار ،وذلك نتيجة تبني الحكومة السعودية نهج الحوكمة الرشيدة والإصلاحات ومحاربة الفساد ، فنتج انخفاضا" تاريخيا" للبطالة .
اتفاقيات تتجازو 110 مليار ريال سعودي
ووقعت المملكة العربية السعودية مع جمهورية الصين الشعبية أكثر من 20 اتفاقية أولية بقيمة تتجاوز 110 مليار ريال سعودي أي ما يعادل نحو من 29 مليار دولار ، واتفاقية شراكة استراتيجية شاملة،ما تعكسه المنهجية الاستباقية للقيادة السعودية في التعاطي مع التحولات العالمية منذ جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. الأزمتان الدوليتان اللتان برهنتا على محورية الدور السعودي في تحقيق أمن الطاقة العالمي وتوفير إمداداته، والأهم تحويل الأزمات الى فرص لزيادة فعالية النظام الدولي وتوازنه، و تأثير الحضورالسعودي والخليجي في المشهد الدولي والإقليمي .
مستقبل العلاقات العربية الصينية
وأطلقت نقلة نوعية بالتوافق والتفاهم الذي حصل بـ " قمة الرياض الخليجية الصينية "بمشاركة قادة مجلس التعاون الخليجي ، و" قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية " بحضور أكثر من 30 قائد دولة عربية وممثلين لعدد من المنظمات الدولية وذلك إنطلاقاً من العلاقات المتميزة التي تربط دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية مع جمهورية الصين الشعبية و ما يعكس أهمية إنعقاد هذه القمم، وما تحظى به من إهتمام إقليمي ودولي والدور المحوري لمكانة المملكة العربية السعودية المهمة في خارطة الاقتصاد العالمي، وإسهامها من خلال دعم الجهود المبذولة لإنعقاد القمم لمواجهة التحديات الدولية والإقليمية، وتسهم النتائج الإيجابية التي توصل إليها القادة في توطيد التعاون وزيادة معدلات نمو الاقتصاد العالمي، والتي اعتبرت تأسيسًا لمرحلة جديدة من علاقات دول المنطقة مع الصين.
مبادرة الحزام والطريق
العالم بدأ يستعد لمبادرة "الحزام والطريق"، الصينية و غالبية الدول العربية وبرؤيتها أيضا ترتبط بها وعلى سبيل المثال رؤية مصر 2030، وكذلك رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وهذا محور مهم للتعاون مستقبلا.
وأكدت معلومات لـ "جسور أن هناك عملا دؤوبا للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، لأن الصين باتت الشريك التجاري الأول بالنسبة للدول العربية، وهذا يعطي دفعا قويا للتوصل لاتفاقية بين الجانبين، و الدول العربية ترى في الصين شريكا" قويا" في التحديات، فعندما وقعت جائحة كورونا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة شريكا قويا للصين في تصنيع وتوزيع اللقاحات، وكذلك الحال بالنسبة لجمهورية مصر العربية التي صنّعت اللقاح الصيني محليا" .
وتضيف المعلومات لـ "جسور": التعاون العربي- الصيني، لن يكون على حساب التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، لأن التعاون مع بكين يركز بشكل كبير على الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية والتنمية المستدامة ، وهذا الأمر بعيدًا عما تتشارك الدول العربية مع الولايات المتحدة الأميركية التي تركز على الجوانب الاستراتيجية والأمنية في الشرق الأوسط . أما العلاقات العربية تسير في خطوط متوازية مع الصين والولايات المتحدة، وتحافظ العواصم على مساحات متوازنة بالعلاقات الدولية ولا تميل لطرف على حساب آخر .
الإدارة الإميركية أخطأت بالعلاقات مع السعودية
وعلى هامش قمم الرياض تفيد المعلومات الخاصة من مصدر اميركي مقرب من البيت الأبيض لـ "جسور بأن التعاون السعودي – الصيني ، نقطة تحول بالمنطقة، وبدأت الإدارة الإميركية والكونغرس بإعادة تقييم العلاقات بين واشنطن والرياض ، وبالإضافة إلى تحليل الاتجاهات الجديدة والقضايا المستجدة في المنطقة العربية وفهم الواقع الراهن لحقل العلاقات الدولية.
ويضيف مصدر المعلومات لـ "جسور ": تعامل الرئيس الإميركي جو بايدن مع العلاقات الإميركية السعودية بفكرة جزئية لمفهوم العلاقات الدولية ، ومن ثم إلى نتائج خاطئة حول طبيعة وظواهر العلاقات مع السعودية ويجب على الإدارة الإميركية الإسراع بترميم العلاقات الثنائية بين الدولتين .
لبنان حاضر في أجواء قمم الرياض
وحضر لبنان ضمن محاور "القمة السعودية الصينية"، وقد أكد الجانب السعودي والصيني حرصهما على أمن وإستقرار ووحدة الاراضي اللبنانية وأهمية إجراء الإصلاحات اللازمة والحوار والتشاور بما يضمن تجاوز لبنان لازمته ، تفاديا" لأن يكون منطلقا" لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة أو مصدرا" أو معبرا" لتهريب المخدرات أو الأنشطة الإجرامية الأخرى .
وقد عقد لقاء بين صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، و أكدت معلومات لـ "جسور أن أجواء اللقاء كانت جيدة ،وقد حرصت المملكة العربية السعودية على عدد من النقاط التي تعتبرهم الثوابت بشكل اساسي وتحديدا"، إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية ،ووحدة واستقرار وسيادة لبنان، و تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ، وتطبيق إتفاق الطائف وعدم تفريغه من مضمونه، ومنع الأنشطة العدائية التي تهدد أمن المنطقة والأمن القومي السعودي والخليجي ،والعمل الجدي بمنع تهريب المخدرات من لبنان إلى السعودية ودول الخليج العربي، وعدم تحول لبنان إلى نقطة انطلاق للإرهابيين أو المطلوبين بمذكرات قانونية، وتفعيل العمل والتعاون من الجانب اللبناني ضمن إطار رؤية موحدة لأمن عربي مشترك.
وتضيف المعلومات لـ "جسور: لا مساعدات مالية سعودية – خليجية حاليا" للدولة اللبنانية قبل تنفيذ الإصلاحات ومكافحة الفساد ووقف الهدر وتنفيذ شروط البنك الدولي، خصوصا وأن لبنان أضاع وقتا" ثمينا" وعليه اتخاذ إجراءات عاجلة في ظل التحديات والأزمات الاقتصادية والمالية التي يعاني منها منذ سنوات،.
وأكدت المعلومات لـ "جسور إن السعودية حريصة جدا" على الوقوف بجانب الشعب اللبناني وتقديم المساعدات الإنسانية له ،عبر "الصندوق السعودي الفرنسي" ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لدعم الفئات الأكثر هشاشة والفقيرة .
بالعودة الى قمم الرياض ، أكد الاعلامي والكاتب المتخصص بالشأن الصيني والعربي، نادر رونغ هوان في تصريح لـ "جسور" أن الزيارة وانعقاد القمم في الرياض تعتبر مهمة بتاريخ العلاقات الصينية السعودية والخليجية والعربية وستدفع زيارة الرئيس الصيني العلاقات الصينية الى مستوى اعلى وجديدة ويمكن بناء عليها والصين تعمل ايضا على بناء مصير صيني عربي مشترك وللإرتقاء بمستوى تعاون في شتى المجالات بين الصين والسعودية والدول الخليجية والعربية .
تأثير سعودي دولي وإقليمي
وعن النظرة الصينية بالعلاقة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية يقول نادر رونغ هوان: توجد مجالات كثيرة تجمع المملكة العربية السعودية مع الصين لتعزيز وتعميق التعاون في مجال الطاقة وتعتبر الصين اكبر مستورد للطاقة والنفط من السعودية ، وكذلك السعودية تعتبر الصين ضمان اكبر لإمدادها بالطاقة ، وكذلك في المساعدة الصينية في مجالات البنية التحتية وكذلك في بناء خطوط الانتاج البحرية وايضا" في مجال الاقتصاد الرقمي و الطيران والفضاء والتكنولوجيا العالية ، وكثير من القضايا ومنها التجارة الحرة مع ودول الخليج العربي، واعتقد الصين والسعودية يمكن أن يحققا فوزا مشتركا مع وجوب نبذ فكرة الحرب الباردة مؤكدا أن الوجود الصيني لا يتعارض مع الوجود الاميركي في المنطقة.
وأضاف نادر رونغ هوان : العلاقة الصينية السعودية والخليجية دخلت العصر الذهبي بالتطور والتنمية وبالشراكة الإستراتجية الشاملة بين الصين والسعودية وستتعزز مع مرور الايام .
مبادرة ورؤية ستغيران المنطقة
وعلّق المحلل السياسي الصيني المهتم بالعلاقات الصينية العربية،" ما مينغ دونغ " : في تصريح " لـ جسور قائلا" :جمهورية الصين الشعبية على علاقات متميزة مع المملكة العربية السعودية منذ زمن، ومن الملاحظ ان العلاقات تطورت بشكل سريع وقد تطور التعاون بين الصين والسعودية في المجال التجاري والمجال الاقتصادي وفي جميع المجالات الأخرى لا سيما المجال السياسي خلال السنوات الماضية. كذلك نجد تعاونا مشتركا بين الدولتين في المجالات الأمنية بشكل قوي، وهذا التعاون بين البلدين يساهم في تحقيق رؤية الصين حول مبادرة "الحزام والطريق" وكذلك رؤية المملكة العربية السعودية في مبادرة "رؤية 2030 السعودية".
وقال ما مينغ دونغ: من المعلوم ان دول الخليج العربي من الدول المهمة في هذا العالم وذلك للموقع الجغرافي والثقافة والاقتصاد. و المملكة العربية السعودية من دول الخليج العربي المهمة وعلاقتها الدولية تعتبر قوة، لذلك فتطور السعودية في الاقتصاد مثلاً يساعد في تحقيق مبادرة رؤية المملكة 2030 وأيضا يساعد في تطوير دول الخليج .
وشدد المحلل السياسي الصيني المهتم بالعلاقات الصينية العربية على أن للمملكة العربية السعودية نشاطات قوية في جميع المجالات لتطوير نفسها، وقد بدأ العمل في تحقيق رؤيتها وهذا ملاحظ على أرض الواقع. لذلك هناك فرص التعاون مع هذه الدولة النشيطة. أيضاً الصين قد مرت بهذه المرحلة ولم يقف التطوير على الدولة نفسها بل أثرت على الدول المحيطة التي لها تعاون مشترك معها. ولديها الخبرة والاحترافية في كثير من المجالات سواء الصناعة او التجارة والبنية الأساسية ولذلك تعاون بين الدولتين سيعزز قوة الصين والسعودية وكذلك دول الخليج. وهذا مطلب أساسي من التطور التاريخي المعاصر والشراكة الاستراتيجية.
وختم: علاقات الصين والمملكة العربية السعودية ودول الخليج كالأصدقاء، يستفيدون من بعضهم البعض وعلاقاتهم المتميزة موجودة منذ زمن.