كتب طارق أبو زينب الإعلامي المتابع للشأن الخليجي والعربي في جسور:
لا أحـد يريـد حربا عالمية ثالثة، لا يزال هـذا هو الاتجاه العـام فـي مواقـف غير معلنـة فـي واشـنطن وعواصـم أوروبيـة منـذ أن بـدأت الحرب الروسـية -الأوكرانيـة، عبـارة الحـرب العالميـة تنـذر بأخطـار يصعـب تصـورها فـي حـد ذاتهـا مخيفـة، وستظل الحروب هي أكبر المشاكل في عالمنا الحالي والأزمنة الماضية وأكبر كارثة بشرية وإنسانية ممكن أن تحدث في أي بلد، تسبّب الضرر الفادح بأرواح بريئة من المدنيين الذين يسعون لعيش حياة كريمة بعيدا من الاضطرابات والحروب.
نظام عالمي جديد!
وفي هذا الصدد، أكدت معلومات لـ "جسور" أنّ الأزمة الروسية - الغربية في ظـل الحـرب علــى أوكرانيا تعدّ أول اختبـار حقيقــي لتجنـب حـرب عالميـة في الفترة المقبلة، وهـــي بمثابة اختبار لمـا ســيكون عليــه النظام العالمي. وستكون الحرب الأوكرانية كذلك، وفق معلومات "جسور"، أحد أهم العوامل التي ستحدّد الوضع الأمني العالمي فـــي القرن الـ 21، بالإضافة إلى تداعيات الحرب على دول العالم، وما يرافقها من تحديات كبيرة يواجهها كوكبنا والمتمثلة بالتلوث، والتغير المناخي، والطاقة، والمياه، والنمو السكاني، والفقر، ونقص الغذاء والدواء، وجودة الحياة، واستهلاك الموارد.
روزنامة عمل عربية ودولية
في المقابل، أفادت معلومات من مصادر دبلوماسية عربية خاصة رفيعة المستوى لـ "جسور" بأن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تعملان على عدة محاور مهمة، أبرزها دولياً: مدّ جسور التقارب والحوار بين روسيا والغرب لتعزيز الاستقرار العالمي، والمساهمة العربية في النظام العالمي بحل النزاعات الدولية بالطرق السلمية، لإيقاف وتجنّب المزيد من إراقة الدماء الناتجة عن الحرب الروسية الاوكرانية، إضافة إلى التداعيات الاقتصادية العالمية، والعمل على استقرار أسواق النفط.
وتعمل الدولتان تبعا للمصادر عينها، على حماية أمن الملاحة البحرية في الخليج العربي، والسعي إلى تفاهمهما مع شراكات استراتيجية وعسكرية مع بكين، وسيتم في أوائل ديسمبر/ كانون الأول المقبل الإعلان عن القِمم الثَلاث السعودية - الصينية التي ستقام في الرياض، لتبدأ السعودية بَعدها بتوجيه الدعوات إلى القادة العرب المعنيّين.
أما على صعيد المنطقة العربية، فبيّن المصدر الدبلوماسي العربي أنه تم وضع خطة فعّالة لرصد نشاط إيران المزعزع للاستقرار الإقليمي الذي يرتبط بهجمات تشنّها مليشيات مسلحة تدعمها إيران وتستهدف الملاحة الدولية، فضلا عن بدء العمل في مشروع تفاهم لحماية البيانات والمعلومات المتبادلة في المشاريع الامنية المشتركة بين وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية ووزارة الداخلية في الامارات العربية المتحدة.
وعن الملف اليمني واللبناني، تقول المصادر، إنهما قيد المتابعة والمعالجة لحصد النتائج الايجابية لصالح الشعبين. وقد قررت الحكومة السعودية، تمديد وديعة 5 مليار دولار أميركي في البنك المركزي المصري، وقدمت كذلك 5 مليارات دولار أميركي وديعة للبنك المركزي التركي، إلى جانب تقديمها الدعم اللازم لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي في اليمن بقيمة مليار دولار أميركي.
جهود لوقف الحرب
توازيا، أشارت معلومات من مصادر دبلوماسية عربية لـ"جسور"، إلى أنّ العالم بأسره يطالب بضرورة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وللغاية تعمل كل من المانيا وفرنسا وسويسرا والدنمارك للدخول في مفاوضات، كون الجميع تأثر بتداعياتها، وبالتالي يجب استغلال الوساطة العربية مع الحشد الدولي لوقف التصعيد وبدء المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، ومن ضمن هذه الجهود ما يقوم به رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والتي حملت آمالا إيجابية لتهدئة الصراع، وقد كان للإمارات وللمملكة العربية السعودية الدور الأساس في عملية تبادل الأسرى بين موسكو وكييف.
دول لها ثقلها الدولي
وفي هذا الصدد، قالت الرئيس التنفيذي لشركة رزي العالمي للإستشارات، والاستشارية في ريادة الاعمال، البحرينية زهراء باقر لـ "جسور"، إنّه لا يمكن تجاهل الدور الإماراتي وكذلك السعودي، في تحمل المسؤوليات عن طريق تعزيز الدبلوماسية العربية والنهج الإنساني الذي تلتقي عليه قيادة الدولتين، وترسيخ نهج الحوار ومدّ جسور المساعدة للدول التي تعاني من أزمات سياسية واقتصادية، مضيفة، أن دور الرياض وأبو ظبي أصبح أكثر أهمية بالنسبة لأزمة أوكرانيا، ولا يقل عن اهتمام روسيا بذلك.
ويتصدّر رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان المشهد السياسي العالمي وفق باقر، وبالتالي أصبح دورهما بالغ الأهمية، لجميع أطراف الحرب. وتضيف الاستشارية في ريادة الاعمال: "عندما تفاقمت الأوضاع في أفغانستان فتح بن زايد الأبواب لآلاف اللاجئين من أفغانستان بشكل موقت، كذلك في بداية الأزمة الأوكرانية الروسية، حيث فتحت الإمارات المجال موقتا للأوكرانيين بالحصول على التأشيرة لحظة وصولهم، كما اتخذت موقف عدم الانحياز لطرف في الأزمة الروسية والأوكرانية، إضافة الى جهود أخرى، حيث قامت الإمارات برعاية عملية السلام بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، وانتهى بذلك النزاع والقتال الذي دام لسنوات بينهما، وسعت إلى جانب السعودية لإنهاء النزاع بين دولتي أثيوبيا وأرتيريا والدفاع عن الشرعية في اليمن إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي".
وعملت الرياض والامارات على مكافحة الارهاب والتطرف العنيف، والاتفاق على تشكيل لجان مشتركة سعودية إمارتية لمتابعة تنفيذ التعهدات الخاصة بدعم المشروعات التنموية في اليمن ودعم الحكومة اليمنية لمواجهة التحديات الراهنة، وفي 7 أبريل/ نيسان الماضي أعلنت السعودية، تقديم 2 مليار دولار مناصفة مع الإمارات دعما للبنك المركزي اليمني .
وساطة عربية
بدورها، شرحت الناشطة اللبنانية كيندا الخطيب لـ "جسور"، أن المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة تمتلكان إدارة التفاوض عرفياً، ويمكن ان يختصر الدور الانتقالي للتفاوض الذي يقوم به بن زايد وبن سلمان في النزاع القائم بين روسيا وأوكرانيا، فبعد أن كانت دول أوروبا تمتصّ غضب الحروب سابقا، أتت حنكة ورؤية السعودية والامارات لتكون الواجهة الاساسية على الرقعة السياسية الكبرى في النزاعات العالمية.
وأضافت الخطيب: "إذا تعمّقنا في هذا الدور أخيرا، نرى الوساطة الإنسانية في تقديم الإمارات 100 مليون دولار كمساعدات إنسانية الى المدنيين في أوكرانيا. ومن ناحية أخرى نرى الحنكة السياسية في جلسة المباحثات التي جرت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والشيخ محمد بن زايد، كأول زيارة لزعيم عربي إلى روسيا، بالإضافة الى الدور الاقتصادي المتمثل بالسعي لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية والتعامل بسرعة مع مطالب سوق الطاقة".
وتابعت: "أما عن الدور المفاجئ لولي العهد السعودي في هذا النزاع الكبير، فكان التوسّط لإطلاق 10 أسرى أجانب أسرتهم موسكو، كأول حدث في العالم تساهم به دولة عربية بإطلاق أسرى أميركيين وأوروبيين، إضافة إلى المساعدات السعودية الغذائية والطبيّة لأوكرانيا التي بلغت قيمتها 400 مليون دولار أميركي". ووفق الخطيب، فإن الدور الدبلوماسي الإماراتي - السعودي لم تقم به أي دولة أوروبية أو أميركية خلال الحرب الروسية - الأوكرانية.
التسامح والتعايش
وصرّحت الناشطة الإماراتية محبة الحسوني لـ "جسور"، أنّ التسامح والتعايش وحبّ السلام هم من أسمى المبادئ التي انتهجتها دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها على يد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، والذي عمل على تعزيز هذه الثقافة وتوثيق مفاهيمها، وتربية أبنائه وشعبه عليها، موضحة أنّ التاريخ سجّل موقفاً شهيراً للشيخ زايد حين رفض مقاطعة مصر بعد قرار الدول العربية بمقاطعتها بسبب اتفاقية كامب ديفيد، وقال وقتها جملته الشهيرة: "لا يمكن أن يكون للأمّة العربية وجود من دون مصر، كما أن القاهرة لا يمكنها بأي حال أن تستغني عن الأمّة العربية"، لقد فضّل الوحدة والسلام على المقاطعة، وبنظرته الثاقبة كان يدرك تماماً أن هدف الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات لم يكن خيانة، بل هو إنهاء الحرب وإرساء السلام، لذلك سعى الشيخ زايد بكل جهد لرأب الصدع بين مصر والدول العربية وكان حلقة الوصل بينها.
وتؤكد الحسوني في معرض حديثها، أنّ الشيخ زايد كان أيقونة للتعايش، عبر حرصه على نشر الحب والحنان بين الناس، كما رحّب بجميع الوافدين من جميع الجاليات الذين رغبوا بالعيش والعمل في هذه الأرض الاماراتية الطيّبة، وحين قيل له أن 80% من شعبك وافد، كان ردّه: "الرزق رزق الله، والمال مال الله، والفضل فضل الله، والخلق خلق الله، والأرض أرض الله، واللي يجينا حياه الله"، وبذلك كانت دولة الإمارات رمزا جميلاً للتعايش بين مختلف الجنسيات باختلاف أعراقهم ودياناتهم.
لا للعنف والإرهاب
وأضافت الحسوني: "بعد وفاة الشيخ زايد تبنى أبناؤه من بعده هذه الثقافة وأكملوا مسيرته التي أصبحت عملاً فطرياً وليست بالشيئ الغريب، وعكفت دولة الإمارات بقيادة الشيخ محمد بن زايد على الحؤول دون انتشار العنف والتخريب والإرهاب في المنطقة العربية، وبذلت جهودها في التصدي لهذه الظاهرة قدر الإمكان، والتي كان هدفها تدمير الأوطان باسم الحرية والعدالة، أوطان كانت تنعم بالأمن والأمان، أصبحت اليوم مستنقعات للجماعات الإرهابية".
وتابعت: "بقيادة رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد ضاعفت الإمارات جهودها بمحاربة هذا الفكر الإجرامي، وساهمت بمساعدة مصر على التخلّص من آثار الثورة التي دمّرت بنية مصر التحتية، وقامت بالدفاع عن الشرعية في اليمن إلى جانب شقيقاتها في دول التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، واليوم أيضا تسعى دولة الإمارات بجهد كبير لإعادة سوريا للحضن العربي واخراجها من الهيمنة الإيرانية، كما تسعى الإمارات جاهدة لدفعها نحو الاستقرار والسلام في الدول العربية ومنها العراق، وليبيا، وسوريا، ولبنان".
ورغم محاولة الكثير من الدول النيل من دولة الإمارات وإجهاض جهودها العالمية ومساهماتها الخيرية التي تصل إلى جميع أنحاء العالم إلا أنها تحدت ذلك. ومن جهود تعزيز هذه الثقافة، قام رئيس الدولة السابق الشيخ خليفة بن زايد رحمه الله بإصدار قانون اتحادي من شأنه مكافحة التمييز والكراهية، والذي يهدف إلى إثراء ثقافة التسامح العالمي ومكافحة العنصرية، ومحاربة التمييز ضد الأفراد والجماعات سواء أكانت من الناحية الدينية، أو الطائفية، أو المذهبية، أو العرقية.
وفي عام 2016 أعلن الشيخ محمد بن راشد عن استحداث منصب وزير الدولة للتسامح، وإنشاء وزارة التسامح التي تعتبر الوزارة الأولى عالمياً، وذلك ترسيخا لنهج الشيخ زايد رحمه الله، وقال الشيخ محمد بن راشد: "لا يمكن أن نسمح بالكراهية في دولتنا، ولا يمكن أن نقبل بأي شكل من أشكال التمييز بين أي شخص يقيم عليها، أو يكون مواطناً فيها".
ولاحقا، تم تغيير مسمى الوزارة إلى "وزارة التسامح والتعايش" التي تهدف إلى احترام الآخرين والمساواة وتعزيز قيم التسامح والتعددية والاعتدال وتقبل الآخرين، وعزمت الإمارات على نشر وتعزيز ثقافة الحوار والتعايش والتآخي بين البشر على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وصبّت وزارة التسامح والتعايش جهودها على مكافحة العنف والإرهاب والتصدي للتطرف الفكري، ونشر قيم التعايش والأخوة الإنسانية للعالم وتعزيز مكانة أبو ظبي التي أصبحت نقطة التقاء فريدة لـ3 معتقدات سماوية مختلفة ونموذجًا رائداً للتعايش السلمي والحوار الحضاري في العالم أجمع .
عام التسامح
وأعلن الشيخ خليفه بن زايد رحمه الله عام 2019 "عام التسامح"، وذلك احتفاءً بأهمية هذه القيم الإنسانية ولإبراز الإمارات كعاصمة للتسامح والتعايش، من خلال المساهمات والمبادرات والمشاريع والدراسات المجتمعية، وطرح السياسات والتشريعات التي تهدف إلى التسامح الديني والاجتماعي والثقافي من خلال تعزيز خطاب التسامح وتقبل الآخرين.
وفي رمضان عام 2021 ساهمت جائزة الشيخ محمد بن راشد للتسامح بتقديم مليون درهم لحملة "100 مليون وجبة" التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد لإطعام ومساعدة المحتاجين في 30 دولة عربية وأفريقيا وأوروبا وأميركا الجنوبية وآسيا، وقد تبنّى الشيخ محمد بن زايد مهمة توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية بين البابا فرانسيس والأزهر الشريف الذي يهدف إلى تعزيز قيم التسامح بين الأديان، وقد سبق ذلك قداس تاريخي آخر أحياه بابا الكنيسة الكاثوليكية في أبو ظبي، والذي يعتبر الأول من نوعه في الخليج العربي وقد وصل عدد الحضور إلى 180 ألفا من المقيمين في الإمارات وخارجها.
هذه الثقافة أضافت الكثير من الإيجابيات الى المواطن الإماراتي والوافد المقيم أو الزائر، فلا يشعر الوافد بالغربة، وينعم الجميع بالأمن والأمان والتسامح والعدل، فلا يوجد في أبو ظبي مكان للمشاعر السلبية، ولا يمر السلوك العدواني والعنصري من دون عقوبة.