من باب الانتخابات التشريعية في مايو\أيار الماضي في لبنان، دخل ١٣ عشر نائبًا تغييريًّا إلى المجلس النيابي. وجوهٌ عرفها المواطنون في التحرّكات الشعبيّة لاسيّما في انتفاضة السابع عشر من تشرين عام ٢٠١٩. ومنهم واجهوا عناصر مكافحة الشغب وشرطة المجلس وأصيبوا في المظاهرات أبرزهم النائب فراس حمدان.
شكّل نجاح التغييريّين مفاجأة لأحزاب لم تتوقّع أن تغلبها أيُّ قوى صاعدة، فسارعت إلى تقديم الطعون أمام المجلس الدستوريّ، لكنّ المجلس ردّ في الساعات الأخيرة طلبها.
النائبان التغييريّان فراس حمدان وسينتيا زرازير كانت نيابتُهما مهدّدة إلّا أنّ المجلس الدستوريّ عاد وكرّس شرعيّتهما.
لم يترشّح النوّاب التغيييريّون ضمن لوائح موحّدة، لكن بعد إعلان نتائج الانتخابات وضعهم الرّأي في خانة واحدة ما دفعهم إلى تأليف تكتّل عُرِف بتكتّل التغيير.
من اللّحظة الأولى قرّروا أن يكونوا يدًا واحدة قائلين إنّهم ضد كل الأحزاب السّائدة في البلاد منذ عقود، لكنّهم أبقَوا باب الحوار مفتوحًا مع كل الكتل إن كان التعاون قادرًا على تسيير شؤون المواطنين الغارقين في همومٍ اقتصاديّة تستدعي حلولًا سريعة.
التعاون الرّئاسيّ
في الآونة الأخيرة أطلق التغييريّون مبادرتهم الرّئاسيّة لتسهيل انتخاب رئيس جديد للبنان بعدما شارفت ولاية الرّئيس الحالي ميشال عون على الانتهاء في 31 تشرين الأوّل/أكتوبر الحالي. وضعوا مواصفات الرئيس المقبل وجالوا على مختلف الأحزاب ومن بينها حزب الله رغم علمهم أنّ المهمّة صعبة، لكنّهم قالوا إنّهم يعوّلون على وعي مختلف الأحزاب لدقة المرحلة الحاليّة وضرورة انتخاب رئيس وسطيّ خارج المنظومة السياسيّة.
ما بعد المبادرة
لم ينجح التغييريّون في استقطاب الكتل الكبرى. فريق الممانعة المؤلّف من حركة أمل وحزب الله والتيّار الوطني الحر متمسّك بالورقة البيضاء، فيما القوّات اللّبنانيّة وحلفاؤها متمسّكون بترشيح النائب ميشال معوّض الذي يعدّه النغييريّون اسمًا غير منسلخ عن المنظومة.
بقي التغييريّون متماسكين، إلّا أنّ تغريدة النائب التغييري ميشال دويهي قلبت المعادلة.
التكتل بين الشكل والمضمون
دويهي أعلن عبر تويتر أنّه خارج تكتّل التغييريين بصيغته الحاليّة قائلًا: "التكتّل بصيغته الحاليّة يجب أن ينتهي احترامًا للبنان واللّبنانيّين، بالنسبة إليّ هناك مرحلة انتهت". هذه التغريدة دفعت بعض الأحزاب إلى "الاصطياد بالماء العكر" بحسب توصيف التغييريّين. من هنا، اجتمع التغييريّون قبيل الجلسة النيابيّة الأخيرة للبحث في مصير تكتّلهم. نجحوا في لمّ شملهم أقلّه في الجلسة، فتوافقوا على عدم تسمية مرشّح معيّن واتّفقوا مع بعض النوّاب الآخرين على وضع ورقة دوّنوا عليها عبارة "لبنان الجديد". لكن ما مصير التكتّل؟
إعادة هيكلة التكتّل
بحسب معلومات "جسور"، هناك سيناريوهان لا ثالث لهما. الأوّل حل الخلاف وإبقاء التكتّل على حاله، لكن كل المعطيات تدل إلى أنّ مسعاهم هذا لن ينجح. السيناريو الثاني، بقاء النواب المتناغمين في التكتّل فيما أربعة نوّاب سيخرجون ويشكّلون تكتّلًا آخر أم ينضمّون إلى شخصيّات مستقلّة.
مصادر التغييريّين تؤكّد لـ"جسور" أنّ شكل التكتّل قد يتغيّر لكنّ المضمون سيبقى على حاله والأهداف لن تتبدّل فيما الحوار سيبقى مفتوحًا حين تقتضي الحاجة. ويرى التغييريّون أنّه من غير المقبول مقارنة أدائهم بأداء من استلموا السلطة ونهبوا ثروات البلاد منذ أكثر من ثلاثين عامًا. ويضيفون أنّهم يمثلّون واقعًا سياسيًّا جديدًا، إذ بإمكانهم الاختلاف في مقاربة الأمور وتقييمها على عكس أحزاب تُجبر نوّابها بمواقفَ مُعلَّبَة حتّى لو كانوا غيرَ مقتنعين بها. ويشدّدون على أنّ هذا الأسلوب اعتاد عليه المواطنون لكنّه غير صحّي.
فوضى دستوريّة
كلُّ هذه المواجهات مستمرّة في مجلس الشعب، فيما الشّعب لا يزال ينتظر رئيسًا جديدًا يتسلّم دولةً أنهكتها الأزمات.
"دخل لبنان فعليًّا في مرحلة الشغور الرّئاسيّ"، جملة أعلنها صراحةً كثرٌ من النوّاب أمام الوسائل الإعلاميّة لعلّ أبرزهم نوّاب الحزب التقدّمي الاشتراكي.
بحسب الدستور، تتسلّم السلطة التنفيذيّة مهام رئاسة الجمهوريّة بعد انتهاء ولاية الرّئيس. لكن الثنائي الشيعيّ والتيّار الوطني الحر يرفضون تسليم المهام إلى حكومة تصريف الأعمال الحاليّة برئاسة نجيب ميقاتي ويطلبون من ميقاتي تأليف حكومة جديدة كونه هو مكلّف بهذه المهمّة. وهنا تكمن المشكلة، فالخلافات محتدمة بين ميقاتي ورئيس التيّار الوطني الحر جبران باسيل وكلاهما يتّهم الآخر بتعطيل تأليف الحكومة. وتيرة المواجهة بينهما ترتفع، لدرجة أنّ باسيل قرّر الطلب من الوزراء المحسوبين عليه بالتوقّف حتّى عن تصريف الأعمال بعد انتهاء ولاية عون في حال لم تؤلَّف حكومة جديدة. ومصادر التيار تؤكّد لـ"جسور" أنّ كل. الاحتمالات موجودة وأنّ التصعيد خيارهم الأساسيّ إذا بقي الوضعُ على حاله.
بين العجز عن انتخاب رئيس للجمهوريّة وتعطيل تأليف الحكومة والتلويح بتعطيل تصريف الأعمال، يدخل لبنان فعليًّا في مرحلة الفوضى الدّستوريّة. وسنوافيكم بأيّ جديد رغم أنّ من الصعب وروده في ظلّ تجميد الحياة السياسيّة عن سابق إصرار وتعطيل.