يتابع الباحث هشام ملحم حديثه لموقع جسور متحدّثًا عن مستقبل إيران في ظلّ الثورة الجديدة التي تتكرّر بعد عدّة محاولات فاشلة يعيدها ملحم إلى سوء تقدير من قبل الإدارتين في الولايات المتّحدة الأميركيّة، إن كان في زمن الإدارة الديمقراطيّة مع الرئيس أوباما، أو في زمن الإدارة الجمهوريّة حيث الرئيس ترامب.
فبالنسبة إلى إيران يرى ملحم أنّ "الموقف الأمريكي المتشدّد تجاه هذا البلد سيزداد تشدّدًا بعد فوز الحزب الجمهوري في الانتخابات، لا سيّما في الحديث عن إحياء اتفاق 2015 النووي خاصة بعد جمود مفاوضات فيينّا قبل الانتخابات، فهي باتت شبه معدومة كي لا نقول مستحيلة، بسبب الخلاف حول مضمون الاتفاق النووي، لا سيّما فيما يتعلّق بإصرار إيران على إلغاء تصنيف الحرس الثوري الإيراني عن قائمة الإرهاب."
كذلك يلحظ ملحم في حديثه لجسور وجود سببين أساسيين قد استجدّا اليوم وهما:
- أوّلاً، "القمع الذي يُمارس من السلطات الإيرانيّة تجاه الإنتفاضة الشعبية الإيرانية حيث برز تعاطف كبير في المجتمع والإعلام والكونجرس الأميركي مع هذه الانتفاضة الشعبية ضد النظام." ولحظ ملحم أنّ هذا الأمر لم نلحظه سابقًا.
ولدى سؤالنا عن كيفيّة ترجمته عمليًّا من قبل الأميركيّين قال ملحم: "هو يترجم عمليًّا اليوم من خلال توفير الولايات المتحدة الأمريكية الدعم التقني للمتظاهرين عبر نشر شبكة أقمار ستارلينك، وهذا ما وفّر سهولة في الاتصالات بين الثائرين، وهذا ما سهّل انتشار الثورة الإيرانيّة في معظم الولايات والمقاطعات في البلاد، إضافة إلى غيرها من السبل التقنية التي سهّلت الاتصالات بين الثوار، وفعّلت حركتهم في المناطق المختلفة، حيث باتت المظاهرات اليوم في معظم الأقطار الإيرانية، بغضّ النظر عن مساحة هذه الدولة الكبيرة. فهذا الدعم الأمريكي سيزداد أكثر مع فوز الجمهوريين في الانتخابات."
- ثانيًا، يتابع ملحم "إنّ الدور العسكري الإيراني الفاضح في حرب روسيا وأوكرانيا، يثير قلق واستياء أمريكا كثيرًا لأنّنا اليوم بتنا نتحدث عن إيران التي تتدخّل في الشأن الأوروبي ليس فقط في محيطها الشرق أوسطي والآسيوي والقوقازي، وفي آسيا الوسطى، بل هي باتت في قلب أوروبا.
وهذه المسألة لم تكن موجودة من قبل." كذلك يلحظ ملحم أنّ هذه إشارة ضعف لروسيا حيث باتت تلجأ إلى دول أخرى أقلّ منها أهميّة كإيران وكوريا الشماليّة لتأخذ منها المساعدات الحربية في حربها مع أوكرانيا. وهذا ما سيعطي إيران برأيه "نفوذًا في أوروبا نفسها، وهذا ما سيخلق أيضا قلقًا لتركيا، الدول الموجودة على البحر الأسود، وسوف يكون لهذا الدعم العسكري إذا استمرّ، وهو متشعّب جدًّا.
- ثالثًا، قضيّة الملفّ النووي الإيراني المعقّد في مساره التفاوضي."
أمّا بالنسبة إلى الانتفاضة في إيران، فيستعيد ملحم أبرز مراحلها والتي تمّ قمعها في العام 2009. وفي العام 2019 أيضا تم قمعها، ويعلّل ملحم ذلك "لأنّ الرئيس ترامب لم يتعاطى مع المسألة سياسيًّا."
لكن يميّز ملحم انتفاضة اليوم، حيث يرى أنّ "المسألة مختلفة."
ويعيد ذلك إلى "أنّ انتفاضة 2009 كانت سياسية ونابعة من تزوير انتخابات رئاسية. أمّا انتفاضة 2019 فكانت اقتصادية. فيما انتفاضة اليوم هي ثورة اجتماعية وثقافية تقوم بها المرأة الإيرانية. ويحدّد ملحم شرطين لتستمرّ كالاتي:
1. يجب أن تصل إلى قطاعات أخرى، لاسيّما الاقتصادية، كعمّال النفط والمصانع وغيرها لتؤثّر في العملية الاقتصادية. عندها نستطيع التحدث عما يخيف النظام.
2. والشرط الثاني هو الأكثر أهمية هنا، حدوث خروقات داخل النظام الإيراني، وانشقاقات في الحرس الثوري والجيش وغيرها.
مع الملاحظ انّ الناس في إيران اليوم باتت تنادي بالتحرّر من القيد الديني الأيديولوجي لتعيش عيشًا حرًّا وكريمًا. ولعلّ هذا هو الخلاف الأبرز بين جيلين في إيران اليوم: الجيل القديم المتشدّد والمتطرّف دينيًّا، والجيل الجديد المنفتح والمتحرّر من كلّ القيود الدينيّة.
وفي حال تحقيق هذين الشرطين فقط "ممكن أن نتحدث عن انهيار النظام، مع العلم أنّه في العام ١٩٧٩ لم يسقط الشارع إلا بعد وصول الإضربات إلى قطاع النفط." هذا ما يلحظه ملحم في تحليله للثورة المشتعلة في إيران يومًا بعد يوم.
كما يؤكّد في حديثه لجسور أنّه "مهما عظمت هذه التظاهرات فهذا النظام القمعي مستعدّ لسفك الدماء ليبقى مستمرًّا، طالما هنالك اقتصاد ثابت نتيجة التبادل الذي يحدث مع روسيا، أي القمح مقابل الأسلحة الإيرانية كالمسيرات والصواريخ وغيرها. "ويؤكّد ملحم أن لا سقوط للنظام في إيران "إلا إذا تم شلّ قطاع النفط وقطاعات اقتصادية أخرى، إضافة إلى خرق داخل الأجهزة الأمنية."
ويفتح ملحم نافذة على تاريخ الحضارة الموجودة في إيران فهي بحسب قوله "حضارة عريقة قديمة قدم التاريخ والإسلام الموجود في إيران يعتبر من الإسلام المتطور والمتحضر، بغض النظر عن الأفكار الأيديولوجية لنظرية ولاية الفقيه."
ويرى ملحم أنّ "هذا الإسلام الموجود في إيران هو الذي وصل إلى بلاد الهند، ناهيك عن الحضارة الفارسية ما قبل الإسلام، حيث كانت إيران دولة متوسطية حاربت اليونان أكثر من مرة وكانت تملك أكثر من 1000 سفينة حربية في المتوسط. فعلى حدّ ما يعتبرها الساسة الأمريكيّون أنّها دولة جدية بعكس بعض الدول العربية. يكفي النظر مثلا إلى الكم الهائل من العقوبات التي فرضت على هذه الدولة، وما تزال اليوم تصدّر أسلحة إلى دولة مثل روسيا."