كتب خالد العزي في جسور:
هل تجعل روسيا من خيرسون مدينة أشباح بعدما أُخرجت منها، وعملت على تدميرها بالصواريخ والمدفعية التي تدكّها بها يوميًا، وتعبث فيها الخراب وتجعلها غير قابلة للحياة كمدينة ماريوبول؟ في الوقت الذي كانت روسيا تشير بوسائل إعلامها وتعلن على لسان قادتها أنها ستجعل من خيرسون مدينة الأموات من خلال مشاهدتنا جميعًا لقرار الجنرال سروفيكين لعملية الإخلاء القسرية للسكان نحو القرم والعمق الروس، وإقامة التحصينات والدشم، ونشر الخرسانات الإسمنتية.
لكن كيف يجتمع الدعاة الروس حول خطوات الجنرال سيرغي سروفيكين بالانسحاب من مدينة خيرسون التي ضمّتها روسيا الاتحادية إلى أراضيها ضمن قرار برلماني ورئاسي في 19 أيلول/سبتمبر، وفي 9 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي اتخذت القيادة العسكرية قرارها بالانسحاب وبتجرع كأس السم.
أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الجنرال إيغور كوزنتشيف، بتاريخ 11 تشرين الثاني/نوفمبر، بأن القوات الروسية بدأت بالخروج من المدينة محافظة على آلياتها وجنودها دون أي خسائر تذكر، مما يعني أنه تحقق للجنرال سروفيكين ما أراد. بالرغم من إدّعائه بأنه يخاف على حياة الجنود بخروجه من خيرسون لكن بالفترة السابقة كان يرسل الجنود نحو الموت دون تردد، حيث يرى المحلل السياسي الروسي عباس غلاما بأنّ مهمة الجنرال سيرغي سروفيكين لم تعد مَهمة عسكرية فقط، بل باتت مهمة سياسيّة من أجل لعب دور "الغراميدون" مانعة الصواعق.
سيرغي سورفيكين البطل الرّوسي
هنا يطرح السؤال المهم على ألسنة المواطنين، وأمام الاعلام الروسي: ماذا فعل سورفيكين في خيرسون من بطولة إنسانية لكي يمجد بهذه الطريقة؟ يقول "بريغوجين" طباخ الكرملين بأن الجنرال تصرف كما يتصرف الرجال الاشدّاء الأقوياء الواثقين من أنفسهم بتحمل المسؤوليات الصعاب دون الالتفاف للانتقادات الأخرى.
ولابد من الاشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي نشرت مقاطع فيديو يجتمع فيه رمضان قديرون وسروفيكين مع قادة شيشان يشيرون فيه بالقتال المقدس في الدونباس، ونشر المقاطع قديرف على قناة "التلغرام" حيث يظهر بأن سورفيكين من المقربين إلى قديروف. وقد كتب الأخير على الصور مخاطبًا سورفيكين: عزيزي الجنرال.
يتوافق مع بريغوجين قديروف بقوله إن سروفيكين تصرف كحال أي مسؤول يشعر بالمسؤولية لا يخاف من النتائج، بل بتحملها.
الكرملين يعتبر أنه قائد استطاع تخطي العقبات والخروج دون خسائر، وهنا تظهر المفارقة بين الجنرال سروفيكين المهزوم في خيرسون والجنرال أندريه لابين المهزوم في ليمان. فلماذا شنت الحملة على الآخر من أصدقاء بوتين وهم ذاتهم يمجدون بطولة سروفيكين، بالوقت الذي يشير المحللون العسكريون بأن التكتيك ذاته للجنرالين بالانسحاب هو واحد.
سروفيكين ودوره المرتقب
استطاع الكرملين تخفيف التوتر الناشب بين حلفاء بوتين والمؤسسة العسكرية، بعد أن تعدّت الاطار الداخلي وخرجت إلى الاعلام من خلال رد قديروف وبرغوجين بعد تسليط الانتقادات ضد الجنرال، وبأنه ضعيف، وخروجه بشكل مذل وقد يحدث ثورة فعلية في الأوساط الروسية لعدم حمايته الأراضي الروسية.
لقد بات الجميع يتخوّفون من المجهول الآتي الذي ينتظر روسيا حيث بات الجنرال الأمل الأخير لهم، والسكوت عن كل الأخطاء التي ارتكبها سوروفيكين لذلك سيتم إقفال الأعين أمام أفعاله، إذ بات بنظرهم الرجل المحبوب والرجل البطل وخاصة بعدما فقدوا الامل ببوتين.
اذًا مهمة سورفيكين بعد تعيينه لقيادة "القوى المشتركة" للمنطقة القتالية تكمن بحماية مدن البحر "مليتو بول ماريوبول، بيرديانسك، زابوروجيا ، شبه جزيرة القرم والحفاظ على لوغانسك وتحرير مناطق دونيتسك، وإنهاء الوجود العسكري الأوكراني فيها لتبرير العملية الخاصة أمام الشعب الروسي.
لا بد من الإشارة إلى أنّ الجنرال سيرغي سروفييكن هو من المقربين للحلقة الضيقة للكرملين والنخب الروسية والدعائيين الروس الذين يجتمعون ويحتفلون في منطقة بوربيخة التي تعتبر أماكن النخب الحالية "لنوفاروس" او الروس الجدد، حيث يجتمع رجال الفساد، وتحاك المؤامرات، وتيرم العقود المالية وتتم تبيض الرشوة بغض النظر عن الأغنية الشهيرة التي انتشرت في روسيا، وسجلت باسمه، فذلك يدل على علاقته بالنخب الروسية الجديدة.
الجنرال البطل
لقد استطاع فريق المعارض السجين الروسي الكسي نافالني الاستقصائي تكوين صورة عن محبوب الشعب الروسي سيرغي سوروفيكين، الذي اعتبر منذ تعيينه بالثامن من تشرين الأول/أكتوبر الحالي كإشارة لأتباع التوجه الدموي للجنرال في ممارسة أعماله القتالية، لأن أول ظهور له على الاعلام الروسي كان في 10 تشرين الأول/أكتوبر، حيث اتخذ قراره بقصف البنية التحتية الأوكرانية كمحاولة لتقليد الجنرال الكسندر لابيد بطل روسيا وصانع السلام.
يشدّد وزير الدفاع الاوكراني في مقابلته مع الاعلام الغربي بأن سوروفيكين يستخدم التكتيك الارهابي، الصواريخ والمسيرات الايرانية لشل الحياة في أوكرانيا وعاصمتها ومعاقبة شعبها.
المسيرة الدموية والمالية للجنرال
تظهر صورة مع الفنانيين والإعلامين ورجال الاعلام والمقربين من حاشية بوتين، وقد ألفت له أغنية شهرية تذاع بالإذاعة الرّوسية مما يعني بأنه مقرّب من هذه الطبقة بكل ما تحمل من طياتها من مشاكل.
يمكن الوقوف أمام مسيرة الجنرال الذي يطلق عليه مهوس سوريا الأصلع القاتل، الفاسد والدموي، بأن حياته بدأت مع نهاية عصر الاتحاد السوفياتي على أجساد المتظاهرين حيث دخلت سيارته بالمحتجّين وأدّت لمقتل ثلاثة مدنيين في نفق الأرباط في موسكو أثناء التظاهر، وقتها كان قائد فصيلة الصواريخ وعمره خمسة وعشرون عامًا، ووُضع لمدّة سبعة شهور في السجن وأطلق سراحه.
في العام 2002 كان في الشيشان قائد كتيبة الصواريخ، وكان يعرف بأن صاحب مقولة: "القتل هو الذي يخمد التهور المسلح للإرهابيين، والانتقام لكل جندي مقابل خمسة مدنيين."
في العام 2015 قاد القوة المشتركة في سوريا حيث سمى بجزار سورية أو مهوس سوريا، لقد تمكّن من السيطرة على سوريا بالحديد والنار والقتل. لقد توصلت تحقيقات فريق نافالني إلى امتلاك عائلته للعديد من مصانع الخشب وتجارة العقارات، وتجارة الفوسفات التي تميّز بها وتلك هي مكافأته، أثناء حرب سوريا وتدمير بنيتها التحتية، حوافز مالية كبيرة تم السيطرة عليها في حرب سورية يصعب الآن معرفة أمواله وحساباته وثروته ولكن في المرحلة المقبلة بالتأكيد لن يتمكن الجنرال من العودة إلى ممارسة التجارة حاليًا، حيث بات يطمع بلعب دور سياسيًا تحفيزًا له بسبب ضرباته الأخيرة.
سوروكين وليبيد
في اللقاء مع وسائل الإعلام الرّوسية حاول الجنرال سيرغي سورفيكين الذي عينه بوتين رئيسا للعمليات العسكرية في أوكرانيا تقديم نفسه بشكل مشابه للجنرال الراحل ألكسندر ليبيد الذي قتل في تحطم مروحية في 2002. ليبيد لعب دورًا مهما في حرب أفغانستان واتفاق السلام مع مولدافيا بشأن بريدنيستروفيه ووقع اتفاق السلام مع الشيشان في الحرب الأولى عندما كان مستشارًا للأمن القومي في روسيا.
اللهجة وطريقة الحديث عند سورفيكين واضح أنها مصطنعة لتشكيل انطباع أنه جاد وصارم وقوي مثل ليبيد، ولكن يجب ألا ينسى هو أن ليبيد الذي كان "الحصان الأسود" في انتخابات 1996 واجه مصيرًا غامضًا قد تكشفه الأيام خاصة أنّه كان المرشح الأساسي في فترة معينة لرئاسة الدولة واعادة النظام إلى روسيا بعد سنوات الضياع في عهد الإصلاحيين أثناء حكم يلتسين.
ضرب البنية التحتية الأوكرانية
بدوره شدّد وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف بأن: "منذ تعيين سروفييكن على رأس الحملة العسكريّة ضد أوكرانيا أصبحت الضربات أشرس وأقوى بأعمال انتقامية حددت دور وعمل الجيش الروسي".
الصواريخ بعيدة المدى، كانت بدل استخدام القنبلة القذرة التي رفعت منسوب التهديد للأمن القومي العالمي وفرض على أصدقاء أوكرانيا تهديد روسيا بحزم بحال استخدامها لهذه الألعاب القذرة.
لقد نجحت خطة سرفييكن المقدمة إلى بوتين وحلفائه بضرب البنية التحتية الأوكرانية وشلّها نهائيًا ودفع الشعب والأصدقاء لقبول التفاوض مع بوتين، بالصواريخ الروسية التي توافق عليها قبل تعيينه لهذه المهمة بشهر، لكن التقدم الأوكراني الميداني مايزال ويبدو ان الدعم الغربي مستمر.