لا يختلف اثنان أنّ منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تحوّلات جيواستراتيجيّة كبيرة، وذلك لغنى مصادر الطاقة الموجودة فيها، ولمدى حاجة العالم إلى هذه المصادر، على الأقلّ في الخمسين سنة المقبلة، على أمل أن ينجح العالم في الانتقال إلى الطاقة النّظيفة تماشيًا مع ما تمّ الاتّفاق عليه في مؤتمر كوبنهاغن للتغيّر المناخي في العام 2009.
ومما لا شكّ فيه أنّ لهذه الحاجة تداعيات على دول المنطقة وأبرزها لبنان والعراق وإيران. لما تملك هذه الدّول من تفاعلات جيوبوليتيكيّة في محيطها الحيوي. وعلى ما يبدو أنّها ستشكّل بوصلة التحوّلات في المنطقة، والتأثيرات في العالم.
وما لا يمكن إغفاله في طبيعة هذه المنطقة التكوينيّة هي الأسس الإنثيّة والطائفيّة التعدّديّة التي تعدّ بالوقت نفسه مصدرًا للغنى الحضاريّ والثقافي فيها، لا سيّما وأنّها مهد الأديان السماويّة الثلاثة، فضلاً عن كونها مختبرًا عالميًّا للعيش الإنساني معًا.
كذلك تشكّل هذه الميزة فيها سببًا للنّزاع المستمرّ وغير المحدود الآفاق، ما دفع دول القرار في التفكير دائمًا بكيفيّة تأمين ستاتيكو الاستقرار فيها لتستطيع تأمين مصالحها الخاصّة. من هنا تُقرأ معاهدات ابراهم، واتّفاقيّات السلام مع إسرائيل، واتّفاقيّات الترسيم الحدوديّة البحريّة بين لبنان وإسرائيل، وشكل أنظمة الحكم في العراق وإيران وكيفيّة تأثيرها في المنطقة عامّة بوجه خاصّ وفي العالم وأوروبا بالتحديد بوجه عام.
حقيقة الشرق الأوسط الجديد
في هذا السياق كلّه يرى البرفسّور وليد فارس، اللبناني - الأميركي، الأستاذ في جامعة الدفاع الوطنية وكبير الباحثين في «هيئة الدفاع عن الديمقراطيات» في الولايات المتحدة الأميركية والمستشار للكونغرس في الإرهاب والمختص في الإرهاب والجهاد فيما يتعلّق بما طرحَ حول مخطّط الشرق الأوسط الجديد في بدايات الألفيّة الثالثة أنّه "بعد ضربات 11 أيلول/سبتمبر، وبعدما حدث في كلّ من العراق وأفغانستان سادت نظرية الشرق الاوسط الجديد، خاصة تحت إدارة بوش، وفي كنف مدرسة المحافظين الجدد. وإن لهذه المدرسة خارطة رسميّة تعتمد على تفتيت المنطقة إلى دول طائفية واثنيّنة."
ويلفت فارس في حديثه لموقع جسور عربيّة أنّه كان من بين الذين ناقشوا هذه النّظريّة في العشرين سنة الماضية في إدارة بوش. وأوضح بناء على مشاركاته هذه أنّ النظريّة الحقيقة كانت تفرض بأنّ "يكون الشرق الأوسط الجديد "خاليًا من القوى الراديكاليّة التي تهدّد المنطقة والغرب الأمريكي وأوروبا. هذا كان لبّ مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد."
ويلحظ البرفسّور فارس "أنّ القوتين الرئيسيّتين اللتين كانتا الهدف بعد نظام صدّام حسين هما الجهاديين والقاعدة (طبعًا قبل داعش)." ويعتبر فارس أيضًا أنّه عقائديًّا "يمكن تصنيف الاخوان المسلمين وكل المرتبطين بالقاعدة والمحور الإيراني أي نظام نظام الأسد وحزب الله وحماس في دائرة الاستهداف هذه."
من هنا نفهم أنّ المشروع لم يكن مشروع تفتيت دول على قدر ما كان بهدف تحريرها من هذا النّهج الفكري العقائدي والجهادي والإخوانيّ، ومن النّظام الإيراني الذي يمسك بها عقائديًّا وسياسيًّا. ويلفت فارس إلى أنّه "من ضمن هذا المشروع تأتي مساعدة الأقليات لتتحرّر في هذه المنطقة ومن بينها الاكراد. والأقليات المسيحية أيضًا والتيّارات الديمقراطية الجديدة." ويذكّر فارس أنّ الدعم الأكبر للأكراد كان في ظلّ إدارة بوش وتصاعد اكثر مع إدارة ترامب.
فقوام هذا المشروع ارتكز على ثلاث نقاط بحسب فارس كالآتي:
1- مع كل الدول الحليفة عرب وإسرائيل ضدّ إيران والجهاديين.
2- مع الأقليات الدينية والإثنيّة مع تأكيد عدم ضرورة إعطائها دولاً بل أن تكون أوضاعهم ضمن دولهم أفضل بكثير، ما يعني ذلك في فدراليّات.
3- دعم القوى الديمقراطيّة في المنطقة.
ولفت فارس إلى أنّ النقطة الثالثة كانت تحظى بدعم وزيرة الخارجيّة الأميركيّة آنذاك كوندوليزا رايس.