في الوقت الذي تمكّن الحزبان الكرديان الرئيسيّان في إقليم كردستان العراق من حسم خلافاتهما أخيرًا وإعلانهما قيادة مبادرة لحل الانسداد السياسي في عموم العراق، اشتعلت حرب تصفيات سياسية داخل بقية القوى فيما يبدو وكأنه تمهيد لمرحلة جديدة تتغير فيها موازين القوى باتجاه عودة مشروطة إلى التوافقية التي لطالما فرضت نفسها على الواقع السياسي في العراق وإن أعلنت بعض القوى رفضها لهذه التوافقية التي هي أساس المحاصصة وسبب رئيس لكل سلبياتها بالنسبة للعراقيين.
توافق كردي
الفترة الطويلة من القطيعة الكردية على المستوى السياسي انتهت بتوافق كردي جسّدته زيارة رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني وهو نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى مدينة السليمانية معقل الاتحاد الوطني الكردستاني واجتماعه بالرئيس المشترك للاتحاد بافل طالباني فضلاً عن قادة بقية الأحزاب الكردية أي التغيير والاتحاد الإسلامي الكردستاني وحزب العدالة الكردستانية باستثناء حركة الجيل الجديد المعارضة التي رفضت اللقاء أيًا كانت أسبابه.
الزيارة - كما قال بارزاني - أفضت إلى اتفاق كردي على إنهاء الحرب الإعلامية بين الحزبين الرئيسيّين وتوحيد موقفهما التفاوضي من حوارات تشكيل الحكومة المركزية في بغداد والأهم الاتفاق على الذهاب بمرشّح واحد لمنصب رئيس الجمهورية لم يتم التوافق عليه بعد.
مبادرة لحل الأزمة
لم تقتصر زيارة بارزاني على إيجاد الحلول للمشكلة الكردية إنما تخطتها إلى الأزمة الراهنة في العراق والممتدة منذ سبعة أشهر حيث ذهب بارزاني إلى ما هو أبعد من حسم الخلاف الكردي من خلال التأكيد أن الحلول التي ناقشها في السليمانية لن يقتصر تنفيذها على الأزمة الكردية الداخليّة بل ستمتد إلى بقية أجزاء العملية السياسية في العراق فيما فُسر على أنه مبادرة ستقودها الأحزاب الكردية لإنهاء الانسداد السياسي في البلاد.
المبادرة الكردية بدأت بإيفاد الأمين العام للاتحاد الإسلامي الكردستاني صلاح الدين محمد بهاء الدين إلى بغداد وشروعه بعقد سلسلة لقاءات بدأت برئيس تحالف الفتح هادي العامري مع إشارة بعض المصادر المقربة من العامري بأن المبادرة الكردية ستعطي الإطار التنسيقي (الذي يضم تحالف الفتح وقوى شيعية أخرى) صلاحية قيادة المرحلة المقبلة لتشكيل حكومة توافقية وإن كان البيان الرسمي للقاء لم يشر صراحة إلى هذا الأمر.
تصفيات سياسية تمهد للتوافقية
خلال أيام قليلة فقط شهد العراق إلغاء عضوية النائب عن التحالف الثلاثي مشعان الجبوري الذي رد بحملة تواقيع أدت إلى إقالة محافظ صلاح الدين عمار الجبوري والذي ينتمي إلى طرف سياسي منافس قبل أن ينتقل الدور إلى مهند نعيم وهو أحد مستشاري رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بعد منشور له اعتبر مسيئًا للشعب العراقي لتعم الفوضى بعد ذلك داخل حركة امتداد المعارضة التي استقال عدد من نوابها قبل أن يُقال أمينها العام علاء الركابي لأسباب تتعلق بالمواقف السياسية للحركة.
قد يبدو الأمر مجرد صدفة لكن طبيعة الحوارات السياسية تؤكد أن ما يحدث يندرج ضمن التصفيات السياسية التي اشتعلت حربها تمهيدًا لتوافقية جديدة بين القوى قد يذهب بعضها آخرون لاسيما ممن حصلوا على مواقع مهمة إذ أن المرحلة الجديدة ستتطلب إعادة توزيع المناصب بين القوى لضمان حدوث التوافق المنشود.
هذا التوافق سيعيد ترتيب المناصب داخل المكوّن السني وقد يصل الأمر إلى إقالة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي لمنح منصبه إلى طرف سياسي آخر من المكون مقابل السماح للكاظمي بتجديد ولايته بعد تقديمه لمستشاره وشخصيات أخرى لاحقًا كقربان لهذا المنصب مع التجديد لبرهم صالح بعد التوافق الكردي في منصبه كرئيس للجمهورية، كما أن الأمر يتعدى إلى مناصب المحافظين حيث أن حملة الإقالات لم تنتهِ بعد مع تأكيد أطراف سياسية بأن التوازن التوافقي الجديد سيشمل عدد كبير منهم.
ويقول الباحث في الشؤون السياسيّة العراقيّة مهند جواد في حديث لمنصة "جسور"، إن "إعادة توزيع مناصب الرئاسات الثلاث وفق اتفاق جديد بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري وإبعاد رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي وارد جدًا في ظل تعطل تشكيل الحكومة منذ أشهر".
ويضيف جواد، إن "اختيار الحلبوسي جاء خارج العرف السياسي العراقي وبعيد من اتفاق جميع الكتل السياسية"، مبينًا أن "توزيع المناصب السياسية على نمط المحاصصة مستمر لكن هذه المرة كان توزيع المناصب بعيدًا من الطوائف وانما توزع على كتل سياسية حاولت اختزال القرار السياسي".
ويشير الباحث إلى أن "التحالف الثلاثي لم يستطع تشكيل الحكومة الجديدة وفشل في انتخاب رئيس الجمهورية"، لافتًا إلى أن "المعطيات تشير إلى امكانية اجراء اتفاق جديد بين التيار والإطار يُستبعد فيه الحلبوسي أو يُحجم قراره السياسي مع تقديم شخصيات سنية جديدة إلى الساحة لاسيما وأن هناك العديد من الملاحظات سُجلت بشأن أداء الحلبوسي من خلال التدخلات في الشأن الشيعي أو على صعيد الأداء السياسي في مجلس النواب".
تراجع دور المستقلين
حتى قبل أيام قليلة كان المستقلون من الفائزين في الانتخابات النيابية الأخيرة على بعد خطوات قليلة من الظفر بمنصب رئيس الحكومة في حال ظلت الأزمة السياسية كما هي مع منحهم المجال من القوى السياسية الأخرى لأخذ زمام المبادرة وإن كان هذا الامتياز شكليًا أو لكسب الوقت فقط، غير أن المستقلين اليوم وفي ظل المستجدات السياسية عادوا ليكونوا خارج حسابات القوى السياسية المتجهة نحو توافق مشروط بإعادة هيكلة المشهد.
ويقول النائب المستقل عدنان الجابري في حديث لمنصة "جسور"، إن "النواب المستقلين سيذهبون نحو المعارضة عقب تشكيل الحكومة الجديد"، مؤكدًا أن "المباحثات الخاصة بالاوضاع الحالية حول الحكومة لا تزال مستمرة دون انقطاع".
ويضيف، إن "مبادرة النواب المستقلين والقوى المستقلة لحل الانسداد السياسي في العراق أصبحت بعيدة من مبادرات الأطراف السياسية الأخرى لكن القوى المستقلة تواصل مباحثاتها حول إمكانية ترشيح شخصية لمنصب رئاسة الوزراء أو على الأقل طرح معايير خاصة يجرى وفقها اختيار الحكومة الجديدة".