بقلم د. ميشال الشمّاعي
نجح رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بتبديل المشهديّة السياسيّة في العراق بعدما سحب كتلته النيابية المكوّنة من 73 نائبًا. وكما صرّح تضحية منه "من أجل الوطن والشعب لتخليصهم من المصير المجهول". وهو المعروف بمواقفه ضدّ كلّ من إيران والولايات المتّحدة الأميركيّة. ويعدّ ذلك اكبر تغيير منذ أكتوبر الماضي بعد خسارة حلفاء إيران بالديمقراطيّة ما حقّقوه من سيطرة على بغداد بحسب ما صرّح سليماني قبل مقتله. ولعلّ هذا ما سيؤثّر في النظام السياسي القائم في العراق منذ العام 2003. فأيّ حكومة يترقّب العراقيّون؟ وهل سينجح النوّاب العراقيّون بإيصال رئيس جديد للجمهوريّة؟ أم ستهيمن التوافقات السياسيّة مرّة جديدة وتكون الحكم في إنهاء أزمة الحكم؟
لا يمكن بعد اليوم في أيّ بلد عربي العودة إلى زمن الديكتاتوريّات أو الأصوليّات. الزمن زمن الحرّيّة والديمقراطيّة، ودول الحداثة والتطوّر. وأيّ دولة تفشل بدخول هذا البحر الواسع من التقدّم والتحرّر ستخرج حتمًا من التاريخ العربي الحديث الذي ستصنعه أجيال الغد. ومَن يعلم إذا ما كان هذا الفشل سيبدّل بشكلّ الدّول المارقة لتنتج منها دول جديدة تحترم الإنسان وتكون فيها الحريّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان هي جوهر وجودها.
وطبيعة الأزمة العراقيّة لم تعد فقط مكافحة مافيات الفساد، وإصلاح الإقتصاد، وتطوير النّظام، بل صار التحدّي الجديد اليوم يكمن في خلق دولة حديثة تستطيع مواكبة العالم الجديد.
إثبات القوة
وفي هذا السياق، كان لموقع جسور حديث مع الدكتور إحسان الشمّري رئيس مركز التفكير السياسي الذي أفاد بأنّه " رغم التعقيدات في موضوع تشكيل الحكومة العراقية، لا سيّما بعد انسحاب الكتلة الصدريّة، هناك قرار من الإطار التنسيقي بضرورة الذهاب نحو تشكيل حكومة كجزء من عمليّات إثبات القوة السياسيّة، وتثبيتًا لمبدأ التوافقيّة السياسيّة التي يحملها الإطار التنسيقي كبرنامج سياسيّ لعمله. ولربّما هذا ما سيؤمّن له اكتساب بقيّة الأطراف السياسيّة ليشكّل أكثريّة برلمانيّة تتمكّن من فرض إيقاعها في موضوع تشكيل الحكومة.
مع العلم أنّ الشمّري يرى بأنّ " الإطار التنسيقي يملك الكتلة الأكبر لكنّه يعيد تموضعه، وترتيب علاقاته بشكل يحقّق له أكثريّة برلمانية مطلَقَة. فهو رتّب علاقاته مع تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذا ما قد يمكن القوى السياسيّة في العراق من التوصّل إلى حكومة." لكن الإشكاليّة الكبرى، بحسب الشمّري، تكمن في "إمكانيّة صمود هكذا حكومة، وليس في تشكيلها فحسب لأنّ منح الثقة للحكومة من البرلمان هو قرار سياسي يعتمد على توافق المصالح والتسويات السياسيّة بين كلّ القوى السياسيّة العراقيّة."
أمّا بموضوع رئاسة الجمهوريّة فلفت الشمّري الى أنّ " قرار الاتّحاد الوطني الكردستاني وحليفه الإطار التنسيقي، لا سيّما بعد إشارتهما ليل أمس بأنّ مرشّحهما لرئاسة الجمهوريّة هو برهم صالح، سيكون محطّ اهتمام لنسبة كبيرة، لإعادة انتخابه، على اعتبار أنّ ما طرحه الصدر يمثّل رأيا سياسيًّا. وبرغم أنّ هنالك ثقلاً جماهيريًّا غير مؤيّد لهذه الفكرة، لكن يبدو بأنّ الأمور تمّت مقاربتها من قبل الاتّحاد الوطني بعد إفشال مرشحه خصوصًا، بعد صعود أسهم برهم صالح لرئاسة الجمهوريّة، وإعلانهم انّه هو المرشّح المدعوم من الاتّحاد الوطني الكردستاني وحليفه الإطار التنسيقي. إضافة إلى القوى السنّيّة المختلفة مع الإطار التنسيقي."
ولفت الشمّري إلى "وجود وقت طويل بعد الانتهاء من العقد التشريعيّة ممكن خلاله أن تتغيّر المواقف من قبل التيار الصدري على اعتبار أنّ صالح يخضع لأمور وطنيّة كبيرة."
وفي الموضوع الإقتصادي أشار الشمّري الى أنّ " العراق بحاجة إلى عقليّة جديدة تعمل على إعادة هيكلة الإقتصاد العراقي بشكل كامل. ولا بدّ من الذهاب نحو وضع فلسفة جديدة للإقتصاد العراقي تتوافق مع حزمة تشريعات جديدة، لتحويل الإقتصاد العراقي من ريعي نفطي إلى اقتصاد متعدّد في القطاعات المصرفيّة والماليّة".
وجزم الدكتور إحسان الشمّري بأنّه " ما لم يكن هنالك خارطة طريق اقتصاديّة فالمعالجات كلّها ستكون ترقيعيّة وآنيّة. ولن تستطيع النهوض بالاقتصاد العراقي في ظلّ شلل وفساد وتحكّم لمافيات فيه."
نظرة متناقضة
وفي نظرة متناقضة مع نظرة الشمّري، وفي حديث آخر لموقع جسور مع المحلّل السياسي محمّد زنكنة لفت إلى " أنّه من الصعب جدًّا التكهّن بتشكيل الحكومة العراقيّة في ظلّ هذا الانسداد السياسي الذي تعاني منه العمليّة السياسيّة في هذه الفترة. لا سيّما وأنّ الاستحقاقات الإنتخابيّة قد تعرّضت لغبن كبير بعد انسحاب التيّار الصدري."
ورأى زنغنة أنّ" الصدريّين باتوا أقوى بكثير وهم خارج اللعبة السياسيّة. فهم باتوا في شرعيّة الشارع والشعب والجماهير. لذلك حتّى وإن تشكّلت الحكومة قد لا تصمد. وأخفّ السيناريوهات قد تكون بسكوت السيّد الصدر مدّة قد لا تتخطّى الستة الأشهر، ومن الممكن أقّل، ثمّ تبدأ مسألة العصيان المدني أو ما شابه ذلك."
وتوقّع زنغنة قيام تظاهرات عارمة لا تقلّ وطأتها عن تظاهرات تشرين. وتابع " لذلك، وبكلّ صراحة من الصعب التكهّن بتشكيل حكومة. لا سيّما وأنّ الإطار التنسيقي لديه سوابق سلبيّة جدًّا مع الجانبين الكردي والسنّي. فهو اتّهم الحزب الديمقراطي بإيواء إسرائيليّين ودواعش وبعثيّين. كما اتّهم الجانب السنّي بالتزوير في الإنتخابات والتآمر مع الإمارات وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركيّة."
ورأى زنغنة أنّه " حتّى ولو تشكّلت الحكومة فهي لن تصمد طويلاً." لذلك، توقّع بأنّ هذه المسألة ستدخل الحيّز الجدّي اكثر بعد شهر محرّم على الأكثر. حيث رأى أنّ " الإجراءات من قبل المحكمة الإتّحاديّة هي إجراءات ترقيعيّة لبقاء هذه الحكومة ورئاسة الجمهوريّة. فهذه الرئاسة بقاؤها غير قانوني بالمطلق. كذلك هذه الحكومة حتّى الآن تعريفها غير واضح. هل هي حكومة تصريف أعمال أم استمرار لحكومة الكاظمي؟"
وختم زنغنة حديثه عن الملفّ الحكومي: "لا أتوقّع تشكيل حكومة حتّى بعد شهر محرّم."
وتابع زنغنة في حديثه لموقعنا عن الموضوع الرئاسي إذ أنّه " بعد تغريدة السيّد مقتدى الصدر أصبح هنالك ضغط سياسي وجماهيري كبير على مجلس النواب العراقي لاختيار رئيس جمهوريّة جديد. وهذا ما أقلق الاتّحاد الوطني الكردستاني. فبدأ باتّصالاته بالأطراف الموالية للإطار التنسيقي، وبخاصّةٍ التيّار الذي يترأسّه قيس الخزعلي لضمان بقاء برهم صالح رئيسًا للجمهوريّة. إلّا أنّ الإطار التنسيقي بعد تغريدة الصدر بات هو أيضًا في موقف حرج جدًّا." فبحسب ما قال زنغنة لموقعنا: " إن تمّ اختيار صالح رئيسًا للجمهوريّة سوف تكون التظاهرات الجماهريّة موجّهة ضدّ برهم صالح في الأساس الذي لم يوقّع على قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل. ومن جهة أخرى الأطراف السياسية في الإطار التنسيقي ستوجَّه إليها سهام التيار الصدري وهي التي لا تسمح بأيّ تطبيع بين العراق وإسرائيل."
لذلك، رأى زنغنة " أنّ الضغوط على البرلمان العراقي ستزداد في هذه الفترة. حيث إنّ الديمقراطي ما زال محتفظًا بمرشّحه، السيّد ريبر أحمد. فضلاً عن أنّ المرشّحين الآخرين لرئاسة الجمهوريّة ما زالت أسماؤهم موجودة، ولم يُحذَف اسم أيٍّ من الذين تمّت المصادقة عليهم. مع العلم أنّ الموافقة على أيّ مرشّح يجب أن تتمّ خارج قبّة البرلمان على أن تكون هذه الموافقة سياسيّة بوجود مفاوضات بين هذه الأطراف."
فباعتقاده انّ رئاسة الجمهوريّة اليوم باتت تشكّل هاجسًا كبيرًا، ومشكلة أكبر. وستحلّ هذه المسألة بالتدرّج. وبعكس رؤية الدكتور الشمّري يرى زنغنة أنّ هنالك " تصوّرا كبيرا بوجود اتّفاق مع الحزب الديمقراطي لتمرير السيّد ريبر أحمد رئيسًا للجمهوريّة مقابل وجود العديد من الإتّفاقات بين الجانبين. "
وختم زنغنة أنّه "حتّى الآن لا توجد أيّ دلائل تؤشّر بأنّ انتخاب رئيس للجمهوريّة سيكون قريبًا."
أمام هذه التحديات جميعها يبقى أنّ الإنسان العراقي بطبعه مفطور على الفكر الحدَاثيّ ولا يمكنه السكوت بعد اليوم عن الوهن الذي أصابه. ولعلّ هذه المرحلة قد تكون الأهمّ في نهضة العراق الجديد. إمّا أن يكون الشعب العراقي على قدر الأمانة الحضاريّة التي ورثها من آبائه وأجداده وإمّا أن يتغيّر وجه العراق. فهل من الممكن أن تكون هذه الفرضيّة التي يعمل عليها مَن نافس العراق حضاريًّا طوال هذه السنوات؟